مجلس الأمة
نسخة للطباعة

خطاب العرش السامي سنة 1944
خطاب العرش
لحضرة صاحب السمو الملكي أمير البلاد المعظم
الأمير عبدالله بن الحسين أيده الله
فـــــي
حفلة افتتاح الدورة العادية الثالثة
للمجلس التشريعي الخامس





يوم الاربعاء
المصادف 15 ذي القعدة سنة 1363 هجرية
الموافق 1 تشرين الثاني 1944

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات النواب الكرام

أحمد الله جل وعلا وأصلي وأسلم على نبيه المصطفى وآله وأصحابه ، وأشكره على آلائه وأفضاله وبنعمته وكرمه افتتح هذه الدورة العادية لمجلسكم المحترم متقدما اليكم بحكومتي الجديدة وهي نخبة من خياركم الجادين في سبيل اسعاد البلاد والقيام بما ينبغي لها من توفير اسباب السعادة والرخاء مع احداث اخرى اذكرها بلسان الشكر والثناء لله عز وجل منها أن نرى العالم وقد شارف على السلام الذي يتمناه كل محب للأنسانية متوجه بقلبه الى تآخي البشرية . ولقد جاءت الحكومة الجديدة التي يرأسها وزيرنا سمير المعالي على أثر استقالة الوزارة السابقة ، فعهدنا بالرئاسة لمن تحققنا اخلاصه وسابقته وتجاربه في القيام بالمهام والمسؤوليات المقبلة يتحملها مع زملائه ممن ضمتهم الوزارة من الشخصيات المحترمة وفقهم الله وأياكم لما فيه مرضاته .

وليس بالخافي على مجلسكم الكريم الجهود المبذولة منذ سنين لايجاد ما يسركم من توصل الى حقوق كانت الامة تستهدفها وتتوخاها ونتيجة لتلك المساعي تلقت الحكومة تصريحا خطيا من الحكومة البريطانية الفخيمة أعلن في حينه ، ونعلم نحن وتعلم حكومتنا أنه قول محكم ذكر فيه ما بين الحكومتين والشعبين من ود متبادل وتفاهم غير ملتو وسير مسدد سنرى نتائجه عند انتهاء هذه الحرب الضروس دون تأخير ان شاء الله . ثم وقد علم المجلس عن مشاورات الوحدة العربية ثم عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام وما قررته هذه اللجنة واننا لا نزال نعمل على توحيد المرامي العربية وفق غايات الثورة العربية الكبرى والنهضة الهاشمية مترسمين سياسة المنقذ الأعظم تغمده الله بالرحمة والرضى ، كما بينت حكوماتنا الأردنية على التوالي وفي كل مناسبة . وأن متابعة العمل باخلاص مع اللجنة التحضيرية المشار اليها لهو من متممات تلك الخطة التي ستزداد أحكاما بكل تفاهم يجري بين الدول الشقيقة ، ولا نخال ما تقرر ورسم الا أنه العمل الذي نور المقاصد في هـذا الشرق العربي ، كنانتــه وشامــه وعراقه ، متوهين بان الأمر لا يتخالف مغزاه ولا يتعارض مرماه مع صداقة أي حليف لنا من الحلفاء الكرام ، وان من داعي المسرة والغبطة أن نرى ان حسن حقوق المتحالفين مع الأمة العربية قام في أوقات العسر كما سار في أيام اليسر ، مع الرجاء في أن تزداد هذه المناسبات والصلات وثوقا ومتانة بين الأمة العربية وحلفائها في شتى اقطارها ونواحيها .

وأن لبلادنا هذه آمالا خاصة بها لكونها ، بالحق من البلاد العربية التي خاضت غمار حرب التحرير السابقة ، فهي صنو الحجاز المبارك في جهاده ، ولها السابقة غير المشكوك فيها ، ثم هي بفضل الله وحسن رعايته قد سارت مع كل ما حدث من نكسات بجوارها سيرا ما زالت فيه على نهج الأصابة والنور بمساعي ابنائها المخلصين ورصانة شعبها الكريم وصبره ، فنسأل الله الكبير العون وحسن التوفيق على ما بقي من توثيق عرى وتوحيد اوصال هي بمثابة الروح للمجموعة من هذه البلاد العزيزة مهنئين حلفاءنا العظام الذين بذلوا ما في الوسع من مساعدة وتعضيد لقضية الانسانية ونخص بريطانيا العظمى بشكل أقرب وبلسان أحق الى صدق النية ومد اليد في أحرج الأوقات وأصعبها ، ولقد سارت سياسة حكومتنا مع الحكومات الشقيقة على اساس متين من التآزر والتطاوع والتســاند الذي نرجو اســتمراره دائما وابــدا لخير الجميع وسلامتهم .

حضرات النواب

هذا ما يتعلق بالشؤون الخارجية ، وأما في الأمور الداخلية فلقد كان النشاط ملازما جهود الحكومة في مختلف مصالحها فتقدمت الأعمال الزراعية تقدما بارزا وزرعت الغراس والبذور وكوفحت الأمراض النباتية والحيوانية واعفي الزراع الممحلون وكان الموسم بحمد الله جيدا طيبا ، وسارت المعارف في مناهجها ، ونمت واردات الجمارك نموا محسوسا واستوردت مقادير كافية من السلع والبضائع كما صدرت كذلك كميات وافرة من منتوجات البلاد . وعم اليسر والرخاء بتوفر اسباب الغذاء والكساء واستوفت وسائط النقل الميكانيكي حاجاتها من القطع والاطارات بحيث أمكن دوام خدمتها لمصالح الناس ومرافق البلاد العامة ، ووسعت شبكة المواصلات التلفونية والبرقية وتمت الاستعدادات لمباشرة استعمال المقسم الهاتفي المركزي في عمارة دائرة البريد الجديدة ، كما انشئت ابنية حكومية اخرى وطرق وجسور على قـــدر كما سمحت به الظروف السائدة وكان التحسن في الأحوال الصحية مطردا ، وأسس مستشفى للأمراض السارية واستحضرت كميات من البنسلين والأمصال المضادة للتيفوس لاستعمالها عند الحاجة .

وامتدت أعمال تسوية الأراضي الى لواء الكرك وظهرت نتائجها الطبية في المناطق التي تمت فيها هذه الأعمال من حيث الاطمئنان على الحقوق وانتظام قيود التسجيل ، واستمرت العمل على تدوين مقاييس انطلاق المياه في الأودية والينابيع.

وأما عن الامن لنذكر بالغبطة والاعتزاز أنه كان بعناية المولى مستتبا في جميع انحاء البلاد ما ينتاب العالم من فتن وقلاقل في هذه الأوقات العصيبة ، ولقد تم تجهيز جيشنا الفتي الباسل بأحدث الأسلحة الحربية والمعدات ، وتقيم في فلسطين حامية من هذا الجيش موكول اليها مسؤوليات عسكرية معينة كما تقيم حامية اخرى منه في العراق . وقد اشتركت وحداته في مناورات واسعة النطاق قامت بها جيوش الحلفاء في وادي الأردن في العام المنصرم فأحرز الجيش العربي الأردني اعجاب المحكمين من كبار قواد الحلفاء ورفع اسمه عاليا اينما حل وحيثما وجد . ومما يدعو الى الابتهاج ان أفراد هذا الجيش يتمتعون بأوفر الصحة والنشاط وقد انشئت لهم مستشفيات خاصة ومدارس .

وبالنظر لما طرأ على الجيش من توسع وانتشار ورغبة في المحافظة على مستواه الخلقي والديني ، اذ هو يستخدم في أقطار خارجية ، فقد عين له مفت خاص يقوم بزيارة الوحدات الموجودة في خارج بلاد الامارة للعناية بشعائر الدين الحنيف وبالوعظ والارشاد للجنود في معسكراتهم النائية .

واننا لنسجل بالتقدير والثناء ما نحن فيه من تعاون تام وصداقة متبادلة مع حليفتنا الكبرى بريطانيا العظمى ونسأل الله العظيم أن يزيدنا من فضله ويهدينا بهداه داعيا أياكم ايها النواب الكريم ، للشروع في أعمالكم واستحثكم على اتمامها بما عرف فيكم من اخلاص ومقدرة وغيرة متكلين على الباري مسبحين بحمده ، والسلام عليكم ورحمة الله .