مجلس الأمة
نسخة للطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبيه الأمين

يا صاحب الجلالة

يتشرف مجلس الأعيان ان يرفع الى مقامكم السامي أجزل الشكر وأبلغ التقدير لافتتاحكم الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الاردني العاشر، وان يعرب عن اعتزازه بحرصكم على رعاية الحياة البرلمانية الدستورية في هذا الوطن العزيز.

ويود المجلس ان يؤكد ان المشاركة بالمشورة الصادقة والرأي المخلص والحوار المسؤول بين سلطات الدولة هي دعامة الديمقراطية والتقدم والانجاز، وان ثقتكم الغالية بهذه المؤسسة الدستورية يزيدها ايمانا بقدراتها ووعياً لمسؤولياتها، وادراكا لدورها في بناء الدولة وتوجيه المسيرة.

يا صاحب الجلالة

لقد استمع المجلس الى خطاب العرش السامي، ورأى فيه عرضا وافيا لقضايا امتنا وتعريفا بمشاكلها. كما رأى المجلس في خطاب العرش بيانا بشؤون الاردن وتطلعاته وبما يؤمن خدمة الشعب ويوفر المنعة والاستقرار في البلاد.

وان نظرة على مسرح الاحداث في الساحة العربية تعكس لنا حقيقتين متناقضتين: الاولى، فداحة المشاكل الجاثمة على صدر الوطن العربي، والثانية التقاعس العربي عن مواجهة هذه المشاكل.

وقد أدى هذا الوضع الذي صورتموه جلالتكم أحسن تصوير الى تضاؤل النزعة القومية ، وأصبح الاختلاف في وجهات النظر بين الاقطار الشقيقة حول القضايا المصيرية عاملا في تعطيل التشاور بينها لتأمين العمل المشترك، وبدأ القلق يساور النفوس من عواقب تردي حالة التفكك والانقسام. وقد ترك هذا الواقع آثاره البالغة على اهتمام الشعوب العربية بقضاياها المصيرية ولا سيما قضية فلسطين والعدوان الاسرائيلي على الارض العربية.

ويمضي الزمان عاما بعد عام، وفلسطين ترزخ تحت نير الاحتلال وشعبها الصامد الصبور، يعاني من التشريد والاعتقال ، والعسف والاضطهاد والتقتيل، مما جعل قضيته جرحا داميا في فؤاد العرب وعبئا على ضمير الانسانية. وبالاستيطان الاسرائيلي المتمادي، باتت معالم فلسطين وحضارتها ومقدساتها، رهن معاول التغيير والتدمير.

ويقف العالم وقفة المتفرج . وتجد اسرائيل في الولايات المتحدة الاميركية العضد الذي يمدها بالسلاح المتطور، والمال الوفير، والدعم السياسي بشكل غير محدود، حتى اصبح العرب يواجهون القوة الاميركية في مواجهتهم لاسرائيل.

ونحن من موقعنا على الخط الأول والاطول امام العدوان، وباعتبار ان القضية الفلسطينية هي من صلب شؤوننا الوطنية ومسؤولياتنا القومية، نرى ان أي تشاور او تعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية ، وتقتضية المسؤولية القومية في اطار الالتزام العربي العام. ومن هنا فان المجلس يساند الحكومة في دعمها المتواصل لصمود الاهل في الارض المحتلة بكل الوسائل الممكنة.

وقد وفى هذا البلد العربي للقضية الفلسطينية أيما وفاء. فاذا كانت أصداء الماضي مازالت تتردد في افق الجهاد، فانها تتجدد اليوم في قول جلالتكم امام المجلس:

"اننا لايمكن ان نتنازل عن ذرة من التراب في الضفة الغربية وقطاع غزه وهضبة الجولان، ولا عن أي حجر من مساجدنا وكنائسنا ومقدساتنا، مهما طال الزمن وغلبت التضحيات".

وقد درج الاردن العزيز، منذ نشأته على ان يستمد من قيادته العليا، وحي الثورة العربية الكبرى ، فكان على المدى وفياً لرسالتها في مواقفه وسلوكه القومي، وتجاوبه مع كل نداء عربي.

والاردن الذي تتلاقى آماله وتطلعاته مع آمال أمته العربية التي هو جزء لا يتجزأ منها، كان وسيبقى ملتزما بمبادئها واهدافها متفاعلا مع طموحاتها مجاهدا معها لبلوغ غاياتها ودرء الاخطار عنها مثلما هو متمسك بوحدته الوطنية.

وسيواصل هذا الحمى العربي طريقه الذي ارتضاه بقيادتكم المظفرة بايمان وهمة لا تعرف الفتور، حتى يصل الى موقف عربي موحد، وتضامن راسخ يصون كرامة الانسان العربي ويحافظ على عزة الامة وسيادتها.

يا صاحب الجلالة

ان مجلس الأعيان، يرى ان السلام في هذه المنطقة ، لا يمكن ان يقوم أو يدوم ، الا اذا بني على الحق والعدل واستعادة الارض المغتصبة وتحرير القدس واسترجاع الحقوق الفلسطينية المسلوبة.

وقد كان للاردن جهد خاص بقيادة جلالتكم وجهودكم المعروفة في استصدار القرار "242" في الامم المتحدة، كما كان للحكومة الاردنية مساهمة فعالة في وضع القرار "338" موضع التطبيق العملي بمؤتمر جنيف عام 1973، ولهذا فان اشارة جلالتكم في خطابكم السامي لهذه القرارات هي تمسك بالشرعية الدولية وبالمبادىء الكفيلة بتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط.

وفي هذا، تتحمل الدولة العربية مسؤولية جماعية، ويتحمل المجتمع الدولي مسؤولية احلال السلام في الشرق الاوسط.

ولهذا فالمجلس يؤيد اقتراح جلالتكم ، عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة ، تشترك فيه الاطراف المعنية، والدول الدائمة العضوية في مجلس الامن.

يا صاحب الجلالة

ان مجلس الأعيان، اذ ينوه بما لمصر الشقيقة من منزلة رفيعة في الأمة العربية، وتأثير بالغ في المنطقة ، فانه يؤيد الدوافع القومية لقرار الحكومة باعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع جمهورية مصر العربية. ويرى أن عودة مصر الشقيقة الى اسرتها العربية ضرورة قومية.

ويؤلم المجلس، استمرار الحرب العراقية- الايرانية ، بما تجلبه على القطرين المسلمين الجارين من اراقة دماء ودمار ووبال. وان مجلس الاعيان ، ليؤيد موقف العراق الشقيق في مساعيه الحثيثة لاخماد نار الحرب. ويرى المجلس ان انتماءنا القومي، يفرضان علينا ان نقف بجانبه.

ويحيي المجلس، مقاومة لبنان الباسلة للاحتلال الاسرائيلي، ويتمنى للبنان الشقيق التوفيق والنجاح في جهوده لاستعادة وحدته وبسط سيادته على كامل ترابه.

يا صاحب الجلالة

ويسجل المجلس ، بالفخر والتقدير، ما لجلالتكم من أياد بيضاء في صنع نهضة الاردن الحديثة التي غدا بها مثلا للتطور والنمو ، يشار إليه في الأسرة الدولية، فتمتع فيها بسمعته الطيبة، واحتل بينها مكانته المرموقة.

هذا، وان قواتنا المسلحة درع الوطن وحصنه المنيع. وعند تقويم مواقفنا في ميادينها المختلفة، يتضح واجبنا الملح من حيث الاستمرار في توفير ما تحتاج اليه هذه القوات من سلاح ومعدات، والسرعة في تعبئة ابناء الشعب ليسهموا مع قواتنا المسلحة في الذود عن حياض الوطن خاصة وارض العروبة عامة.

واننا، لنرحب بكل الجهود المبذولة في التنقيب عن النفط ، وزيادة الانتاج الزراعي، وتقويم مسيرة التنمية الصناعية، وفتح اسواق جديدة للتصدير وبشكل عام، فان الاحتفاظ بدفع التنمية الشاملة، وترسيخ منجزاتها ومكاسبها وازالة اسباب الضعف والخلل منها، أمور تدعو كل مواطن الى مضاعفة الانتاج والعطاء، وتستحق منا التأييد والحرص على تنمية روح المسؤولية المشتركة.

واننا لنؤمن، مع جلالتكم، اعمق الايمان بالعمل الاقتصادي العربي المشترك، بمعزل عما هناك من اختلاف في الاجتهادات السياسية، فالتكامل الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي بين الدول العربية قاطبة، هما الاساس الأقوى للانتماء والانماء، والسبيل السوّي لرفع مستوى معيشة الانسان العربي في الحاضر والمستقبل على حد سواء.

ونحن ندرك، ان الحكومة تواجه ظروفا مالية قاسية. ومع دعوتنا الحارة للدول العربية الشقيقة الى الوفاء بالتزاماتها المالية المقررة، فاننا، ندعو الحكومة الى دراسة الوقف المالي دراسة عميقة، ومعالجته ابتداء بالميزانية العامة للسنة المقبلة.

وان المجلس، يقابل بالتقدير مبادرة جلالتكم بتشكيل اللجنة الملكية للتطوير الإداري، لوضع خطة شاملة ومتكاملة للتنمية الادارية في المملكة، بحيث يشعر كل مسؤول بأن عليه خدمة المواطنين على أعلى مستوى ممكن، وبأقصر وقت، وأقل كلفة، وانه مؤتمن على حقوقهم وحق الخزينة ومحاسب عن اعماله وتصرفاته أمام الله وامام الناس.

ولاشك ان فرص التعليم في المملكة، قد اتسعت من حيث الكم في جميع مراحل التعليم على وجه يدعو الى الفخر والاعتزاز . وقد آن الاوان لربط نوعية هذه الفرص ، ولا سيما في التعليم العالي ، بحاجات التنمية وفرص الاستخدام.ونأمل ان يكون تخطيط التعليم جزأ لا يتجزأ من تخطيط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والادارية ، بحيث لا تنشأ أية بطالة في أي ميدان ، فإن مثل هذه البطالة هدر للطاقات البشرية، وهي أغلى ما يملك الاردن، وستكون عبئاً على الاستقرار والأمن في هذا الوطن العزيز.

يا صاحب الجلالة

ان مجلس الاعيان ، يضع نفسه في خدمة المسيرة بقيادة جلالتكم الحكيمة ، ويعد بالتعاون الصادق مع حكومة جلالتكم في تنقيح التشريع ومناقشة السياسات ، واحكام القرارات لتفضي الى ترسيخ الوحدة الوطنية وتدعيم القوة الذاتية وبناء المستقبل الأفضل، لابناء الاردن والعرب اجمعين.

حفظكم الله رائداً وقائداً ، وأمدكم بروح من عنده ، على طريق السداد والرشاد والعزة والفلاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

عمان في : 13 محرم 1405 هجرية

الموافق: 8 تشرين اول 1984 ميلادية