مجلس الأمة
نسخة للطباعة

صاحب السمو الملكي
الامير الحسن بن طلال
نائب جلالة الملك ولي العهد المعظم

خطاب العرش

في افتتاح الدورة العادية الثانية
لمجلس الامة الاردني الثالث عشر

يوم السبت
الموافق في 9 شعبان 1419هجرية
الموافق 28تشرين ثاني 1998 ميلادية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على مولانا وسيدنا محمد النبي العربي الامين

وعلى آله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين

حضرات الاعيان
حضرات النواب

بسم الله وعلى بركته جلت قدرته نفتتح الدورة العادية الثانية لمجلس الامة الاردني الثالث عشر فتكون هذه الدورة بإذن الله حلقة جديدة من حلقات بناء اردن العز والفخار والانجاز بسواعد اردنية تعمل معا اسرة واحدة متراصة على بناء مستقبل افضل وتوفير الحياة الكريمة لكافة ابناء هذا الوطن المرابط الصامد الغالي .

وان اعتزازنا بمجلسكم الكريم وتقديرنا لدورة الفاعل في بناء الاردن شريكا كاملا في تحمل المسؤولية يعود الى بدايات الدولة الاردنية الحديثة ومنذ قيام المجلس التشريعي الاول سنة الف وتسعمائة وتسع وعشرين وما تلا ذلك من انشاء مجلس الامة .

فقد حرص جلالة المغفور له الجد المؤسس عبدالله بن الحسين على ترسيخ مبدأ الشورى قولا وممارسة ، وحافظ على هذا المبدأ جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله الذي صدر في عهدها الميمون دستورنا الذي نحتكم اليه باعتباره مرجعية لنا جميعا في هذه المملكة العزيزة .

وان جلالة الملك الحسين الباني الذي يحمل الراية يحافظ على النهج ويحرص على احترام الدستور والحياة النيابية وبناء الديموقراطية الحقة في دولة القانون والمؤسسات رغم ظروف التحول ضد الديمقراطية التي شهدتها المنطقة فالهاشميون الذين التف من حولهم احرار العرب ادخلوا النظم البرلمانية الى بلدان الشرق العربي في دمشق وبغداد وتمسكوا بمبدأ الشورى والمشاركة البرلمانية ايمانا منهم بان النهوض بمسؤولية البناء والاعمار هي مسؤولية انسانية لا بد من ان نتحملها جميعا فريقا واحد يضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل الاعتبارات فالمصلحة غاية الحكم والتعاون في اطار التنوع والتعددية ومشاركة المجتمع المدني في ظل دولة القانون هو خير طريق لخدمة اهدافنا ومصالحنا .

وتحرص الحكومة على تحقيق اعلى درجات التعاون والتنسيق والتكامل مع السلطة التشريعية ضمن احكام الدستور الاردني الذي يشكل المرجعية الشرعية والقانونية لكل ناظم من نظم حياتنا والذي نص على الفصل بين السلطات واحترام استقلالية كل منها .

وتحرص الحكومة ايضا على ايلاء السلطة القضائية اقصى درجات العناية والاستقلالية لمواصلة نهوض هذه السلطة النبيلة بواجباتها المقدسة لتكون ملاذا حقيقيا لكل من ينشد حقا او يحتاج الى دفع ظلامه .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان مجلس الاعيان هو مجلس جلالة الملك ويتم اختياره من ذوي الخبرة الذين تحملوا المسؤولية في ظروف صعبة ومجلس النواب باعضائه المحترمين يمثلون خيار الشعب لهم ومن هنا تطلعنا الدائم الى مساهمتهم المتميزة في خدمة قضايا الوطن والمواطن بكل اخلاص وانتماء وموضوعية ضمن السياسات التي تعمق الاجماع على ارضية القناعة والثقة المشتركة .

فمجلسكم الكريم حريص على تلمس حاجات الوطن وتشخيص القضايا والمشاكل التي تواجه بلدنا العزيز بعيدا عن الهوى وعن الغاية وقادر على المساهمة في وضع الحلول التي تساعدنا على الوصول الى ما نصبوا اليه من المزيد من الانجاز وتوفير الظروف التي تحفظ لمواطننا حقوقه وكرامته ووقاره .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان الاردن وريث النهضة العربية وحامل رسالتها سيظل مخلصا لمبادئه وقيمه الثابتة المتمثلة في احترام المواطن وحقوقه في الحياة الكريمة والعيش الكريم هذا المواطن الذي نعول على وعيه والذي نؤمن دوما بقدرته على الارتفاع الى مستوى المسؤوليات التي تفرض عليه فلولا تضحيات هذا المواطن واستعداده الدائم لبذل الغالي والرخيص في سبيل بناء بلده لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم وهو ذاته الاردن الذي لن ينفك يناضل ويعمل من اجل نهضة العرب والدفاع عن صورة السلام وقيمه في التسامح وقبول الغير واحترام خصوصيات الامم الاخرى .

ومن هنا ايضا جاء التركيز على الوسطية في منطلقنا سواء على المستوى الوطني او على مستوى الامة والعالم وجاء الاخذ بمبدأ التناصح والتشاور وفتح ابواب الحوار مع الجميع من اجل ان يشاركوا باقتدار في تحمل المسؤولية ولا نريد من الحوار ان يتحول الى سجال ولا الى جدل عقيم بل نريده وسيلة متقدمة للافادة من طموحات المواطنين وافكارهم الخلاقة ورؤاهم الكبيرة كما نريده وسيلة من وسائل تنمية ثقافة وطنية تركز على النوعية وتحقق رسالة النهضة العربية والتي ارسى من خلالها قواعد الدولة العربية الحديثة ابو الملوك المغفور له الحسين بن علي الذي يرقد في ثرى القدس الشريف بجوار الاقصى الذي ترنو اليه افئدة العرب والمسلمين في كل بقاع الارض .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

اننا ونحن مقبلون على دخول الالفية الثالثة نشهد تغيرات متسارعة في العالم ولا بد في ضوء هذه التغيرات من تعزيز قواعد المؤسسية في بلادنا ومن هنا تجئ العناية بمؤسسات المجمتع المدني وهيئاته ويأتي الحرص على احترام دور النقابات في اطارها المهني والعمل على انجاح التجربة الحزبية في الاردن والاخذ بمبدأ التعددية ضمن ثوابت الدستور والانتقال بالبلاد والمواطنين الى مرحلة متقدمة من الولاء للبلد والامة والاخلاص للعقيدة وقد قطعنا بحمد الله شوطا كبيرا باتجاه تحقيق هذه الاهداف النبيلة بكل ثقة وبقلوب مطمئنة وباحترام للاخرين ليصبح الاردن بلد الانجاز ومركز جذب لاصحاب الافكار والاراء والاقلام وليبقى بفضل الله واحة يطمئن اليها كل من يعيش فيها ويتفيأ ظلالها السمحة .

ان الاردن بلد رسالة ورسالته ممتدة على ارضه منذ ان حافظ جعفر الطيار على الراية عالية الى يومنا هذا والى قيام الساعة بإذن الله .

اننا نمر في مرحلة زمنية يتعرض فيها الاسلام والمسلمين لحملة ظالمة كما تتعرض الهوية العربية المسيحية الى حملة ظالمة مشابهة ويجب مواجهة ذلك بالاعداد السليم والكفءللاجيال الصاعدة من ابنائنا وعلينا ان لا نستسلم للعاصفة الهوجاء التي هبت علينا بل علينا تصويب الامور في منابعها معتمدين على التفاعل الايجابي مع الامم والحضارات ندافع عن ديننا وقيمنا ونبرز الصورة الحقة لحضارتنا وثقافتنا التي ساهمت وستظل تساهم في حضارة الانسان وثقافته .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق يدافع عنه ويطالب به من بناء دولته المستقلة على تراب وطنه وقد علمنا على مناصرة الشعب الفلسطيني الشقيق من منطلقين رئيسيين: الاول هو الايمان الراسخ بحقوقه في الارض والموارد والدولة والثاني هو ان حصول الشعب الفلسطيني على تلك الحقوق غير القابلة للتصرف كاملة هو ركن اساسي لامننا ولامن المنطقة باسرها فإن اي انقاض من تلك الحقوق هو انتقاص من امن هذا البلد وتهديد لدعائم استقراره فالمصير مشترك والحكومة تتطلع الى عهد من التعاون والتكامل بين الشعبين الشقيقين وفي هذا السياق سنستمر في الوقوف بكل قدراتنا الى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق وقيادته ونقدم لهم الدعم في كافة الاوساط .

وستواصل الحكومة دعم مسيرة السلام حتى يتحقق السلام العادل والدائم والشامل الذي تشارك فيه جميع الاطراف ويعطي كل ذي حق حقه .

وفي هذا المجال نستذكر اليوم صيحة قائد الوطن قبل نيف وشهر حين قال لاحق لنا في ان نملي من خلال العمل غير المسؤول او التعصب الاعمى مستقبل ابنائنا وابناء ابنائنا فكفى ما كان من خراب وموت وضياع .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

سيظل التوجه القومي رائد كل موقف لنا او قرار فالشأن القومي كان محل اهتمام الهاشميين على امتداد التاريخ وستستمر الحكومة في العمل على بناء علاقات التعاون والتكامل مع كافة الدول العربية الشقيقة ضمن اطر واضحة تحترم خصوصيات كل دولة من دولنا وتهدف الى تحقيق الافضل لامتنا .

ولن نتوان او نتخلف عن بذل المساعي من اجل رفع الحصار عن اي قطر عربي محاصر وبخاصة عن شعوب اقطار العراق وليبيا والسودان كما اننا لن نوفر جهدا في العمل على رأب الصدع ما بين الاخوة والاشقاء .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان القوات المسلحة والاجهزة الامنية هي موضع تقدير واحترام قائدها الاعلى وهي موضع المحبة والاحترام من جانب جميع المواطنين وموضع الاعجاب من لدن من عرف المستوى الرفيع والمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها وانها بفضل من الله اصبحت تحظى بثقة دولية ومن هنا نرى ابنائنا من الجيش العربي الباسل يقفون وقفة شرف في مناطق الاضطربات في العالم ومن علىهذا المنبر تحت القبة اوجه اليهم التحية ايضا لذكرى شهداء هذا الجيش العربي الذين رووا بنجيعهم الطاهر ارض العروبة وهم يدافعون عنها .وسنبقى حريصين كل الحرص على دعم قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية وتحديثها بكل الوسائل المتاحة فهي سياج الوطن ودرعه المتين وهي الامنية على امن المواطن والوطن .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان الاردن في بنائه السكاني من مختلف المنابت والاصول التي بمجموعها تشكل هذه الدوحة الطيبة من المواطنين يمثل نموذجا للعالم العربي واننا سنحافظ بكل طاقاتنا على تماسك الجبهة الداخلية ولن نسمح لاي كان ان يمس اي غصن في شجرتنا المباركة كما اننا نتصدى بكل ثقة وحزم لكل من يحاول ان يتسلل ليحدث اي شرخ في جبهتنا الداخلية فالاردن لكل ابنائه ولكل مواطنيه فهو بلد الانجاز وبلد التميز وحجر الزاوية في اي عمل عربي وفاعل في كل ما يجمع العرب صادق مع امته صدقه مع نفسه ولطالما نذر الهاشميون انفسهم لاقالة الامة من عثرتها وللاخذ بيدها نحو مشارف المستقبل .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ستستمر الحكومة في اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بتحسين اداء الاقتصاد الوطني ضمن توجه يوفر للقطاع الخاص الذي يمتلك ويدير نحو ثلثي قيمة الاقتصاد الاردني السبل التي تمكنه من النهوض بمسؤولياته .

كما تستمر الحكومة في تحديث الادارة الحكومية والاطر المؤسسية والتنظيمية الداعمة لسياسة التخاصية القائمة على تحرير الاسواق وحماية المنافسة ودعم الانتاجية والجودة واجتذاب الاستثمارات الاجنبية والعربية المباشرة وستعمل على تشجيع القطاع الخاص ودعم مبادراته الاستثمارية الهادفة للنفاذ الى اسواق الصادرات غير التقليدية والى تطوير الانتاج في الخدمات السياحية والمهن الاخرى كالطبابة والاستشفاء حيث عرف الاردن بتميزه في هذه المجالات ولا يقوم ذلك الا بالانضباط المالي وترشيد الانفاق الحكومي ضمن الاولويات الوطنية مع حفز التطور والنم في اطار من الاستقرار في الاسعار والمتانة في الاحتياطات وقيمة الدينار .وستستمر الحكومة في العمل على تطوير علاقات التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة وبالقدر الذي نتوقع فيه من الشعوب والحوكمات الصديقة مساعدتنا ودعمنا في المجالات المتعددة للاستثمار الذي يشكل رافدا رئيسا لمسيرة التنمية الاقتصادية فإن الحكومة ستعمل على تهيئة الظروف الكفيلة بتوطيد التعاون الدولي وتشجيع الاستثمار ضمن معايير الشفافية والتنافسية المطلوبة ففي عالم تحكمه التنافسية لا مفر من العمل على تطوير قدرتنا على المنافسة واستقطاب الاستثمارات الاجنبية لان الاجندة الدولية مثقلة بالقضايا والاهتمامات ولن يبقى الشرق الاوسط في الصدارة من اولوياتها .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

ان تقدم اي بلد مرهون بقدرته على التعامل مع المعارف وتزويد الطلاب بالمهارات وتدريبهم على التفكير السليم بعيدا عن التعصب ومن هنا جاءت عنايتنا بالعملية التعليمية ومراجعة جميع جوانبها ومثل ذلك ينطبق ايضا على التعليم العالي وذلك من باب توفير نوعية متميزة من التعليم والبحث وخدمة المجتمع المطلوبة من جامعاتنا وان اهتمامنا مركز ايضا على العناية بالاطفال والشباب وبالدور المتميز للمرأة في الاردن آخذين بعين الاعتبار التزامنا بتوفير العدالة الاجتماعية لكل ابناء الوطن في جميع مواقعهم والسعي الدائم لتنفيذ برامج متقدمة في رعاية المحتاجين وتعكف الحكومة على اعادة هيكلة سوق العمل وتنفيذ حزمة الامان الاجتماعي وحشد كل الموارد والطاقات لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة ويتسع حرص الحكومة ليشمل المجالس البلدية والقروية لتمكينها من توفير الخدمات الاساسية للمواطنين وان عنايتنا بالثقافة والفنون مشهود لها لما تتسم من عمق وانتماء وانفتاح على افكار القيادات الفكرية في العالم العربي والعالم اجمع ومنهنا فإننا نولي تاريخ الاردن قديما وحديثا وتاريخ الامة كل عناية ورعاية اما فيما يتعلق بالاعلام فإننا نسعى جاهدين لان يكون اعلامنا اعلام دولة واعلام وطن موضوعيا ومهنيا يعتمد المعلومة الصادقة ويلتزم بمجموعة القيم التي نؤمن بها جميعا في اجواء من الحرية التي لا تحلل من المسؤولية .

حضرات الاعيان
حضرات النواب

يواصل الاردن مسيرته الديمقراطية بثقة وثبات بمشاركة ابنائه الخيرين وسيظل يمضي بعون الله تعالى وتظافر جهود شعبه الطيب مواصلا رحلة البناء التي لم تتوقف في يوم من الايام رغم ما حمله الينا الزمن من مصاعب لكن عزيمة الاردنيين كما اثبتت الايام واخبرنا الزمان تأبى حالة الانكسار فكان صمودها وكان بهاؤها عصيا على دجى الظلمة والتشويه بارادة كانت محل الاحترام والتقدير ونحن اليوم مدعوون اكثر من اي يوم مضى لاستنهاض المزيد من اسباب الاندفاع والقوة الكامنة في شعبنا الابي للتصدي لاسباب اليأس والاحباط فلن يستلم القادمون منا الا رايات العزيمة والشموخ .

وفقنا الله واياكم الى ما فيه خير هذا الوطن وشعبه الطيب

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،