مجلس الأمة
نسخة للطباعة

رد مجلس الأعيان على خطاب العرش السامي
في افتتاح الدورة العادية الثالثة
لمجلس الأمة الثاني عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنــا محمــد النبـي العربـي
الهاشمــي وعلـى آلــه وسلــم تسليمــــاً
سيدي صاحب الجلالة الملك الهاشمي الحسين المعظم
أسـبــغ الله عليــه رعايتــه وتوفيـقـــه،


من دواعي اعتزاز مجلس الأعيان أن يرفع إلى مقام جلالتكم أطيب التحية ، وأصدق مشاعر الولاء ، معرباً عن عميق شكره وعظيم تقديره لتفضل جلالتكم بإفتتاح الدورة الثالثة لمجلس الأمة الأردني الثاني عشر بخطاب يُعدّ ، بحق وثيقة هاشمية تاريخية ، بما تضمنه من تصور سليم لنسيج التعامل والعلاقات في المجتمع الأردني ، وبما تنوّره من رؤى عربية تضيء الطريق أمام العمل العربي المشترك وما يوجبه من توطيد علاقات الأخوة بين الأقطار العربية : شعوبها وحكوماتها . ولقد ربطتم ، يا صاحب الجلالة ، ربطاً محكماً بين المجال الأردني الداخلي والمجال العربي القومي ، حين أشرتم إلى التزام الأردن : هذا الحمى العربي العزيـز ، بمبادئ الثورة العربية الكبرى ورسالتها النبيلة ، فكان بذلك وفياً لمـا أراده الأجـداد والآبــاء ، يستلهــم مواقفهـم ، ويسير على طريق تضحياتهم ، دفاعاً عن الوطن ، وتحقيقاً لمصلحة الأمة العربية ، ولقد كان الأردن دائماً واحة الحرية التي يفيء إليها أحرار العرب ، منذ أن وفدوا – زرافات ووحدانا - على جدكم المؤسس العظيـم ، تغمده الله بواسع رحمته ، من بلادهم ومن مواقع تشتتهـم في الأقطار الأوروبية ، إلى هذا الحمى ، ليستأنفوا منه – مع القيادة الهاشمية – أداء رسالتهم القومية ، بعد أن ضاقت بهم السبل وأعجزتهم الوسائل . فلقوا في الأردن أهلاً وإخواناً ، لينطلقوا أعزاء ، أحراراً ، فيشاركوا في العمل الوطني ، ويحققوا من خلاله التطلعات والأهداف القومية التي كانت دائماً ترنو إليها قيادتنا الحكيمة ، وتسعى إلى تحقيقها ، ولم ينقطع تدفق هذه الروافد العربية قط – اختياراً واضطراراً – فكان التاريخ يعيد نفسه في حقب متلاحقة ، حتى غدا الأردن بحق مجتمعاً واحداً فريداً ، لحمته أردنية وسداه عربي ، وصار من غير الممكن – بل من غير الجائز تمييز المنابت والأصول المختلفة للأردنيين بعد أن صهرتهم هذه البوتقة في أسرة واحدة هي الأسرة الأردنية : أسرة الحسين ، التي يعتز بها وتعتز به . وهكذا جاء المبـدأ الذي أعلنتموه جلالتكم : (( كلنا أردنيون ، وكلنا للأردن وللأمة العربية )).

ولقد أكدتم جلالتكم في خطاب العرش مواقف الأردن العربية ، وإلتزامه بقضايا أمته ، واستذكرتم بعض هذه المواقف ، سواء أكانت بالكفاح المسلح دفاعاً عن الحق العربي أم بالمشاركة في تنمية بعض الأقطار العربية ورفعتم الصوت مدوياً بأن الأردنيين لا يزالون رافد الأمة الذي لا يتردد في التقدم لنصرتها في كل خطب أو معركة أو بناء . ومن هنا جاء قول جلالتكم الواضح الصريح: (( إننا ونحن نعمل من أجل تنفيذ معاهدة السلام مع إسرائيل ، لا يمكن أن نقبل تجاوز دورنا الطليعي في إقامة علاقات عربية نقية ، وتوحيد الصف العربي في مواجهة تحديات مرحلة تتميز بالتكتلات العملاقة . (( وهو قول صادر عن إيمانكم العميق ، بشعبكم وأمتكم العربية . وكان في مقدمة تلك المواقف : مناصرة الأردن للشعب الفلسطيني في حقه في تقرير مصيـره ، وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه ، وتوفير المظلة التي أدت إلى قبول الفلسطينيين طرفاً مفاوضاً رئيسياً مستقلاً . وكذلك فإن التاريخ سيسجل بالفخار المشاركة الأردنية الفعلية في الدفاع عن شرف الأمة وقضاياها المصيرية ، حيث كان العمل العسكري السبيل الوحيد لتحرير الأرض ، وإستعادة الحقوق ، فقدم الأردن ثمناً غالياً من دم شهدائه ، متحملاً في سبيل ذلك ما يفوق طاقاته وإمكانياته ، ولطالما دعوتم ، يا صاحب الجلالة ، إلى تجاوز مرحلة الفجوة والتباعد عن بعض الدول الشقيقة ، وعملتم على إعادة اللحمة إلى العمل العربي ، ولذلك أكدتم جلالتكم الاستمرار في العمل لرفع الحصار عن الشعب العراقي ، الذي أنصفتموه بخلقكم الهاشمي النبيل ووصفتموه بأنه (( ما توانى يوماً عن أداء واجبه نحو أمته ، وكانت له في سبيل الدفاع عنهما تضحيات جسـام ، ونحن نؤمن أنّ من حقه أن يتمتع بالحياة الحرة الكريمة في إطار من الحرية والديمقراطية والعدالة )).

وحين أصبح التفاوض سبيلاً لاستعادة الحق المغتصب وقف الأردن إلى جانب أشقائه العرب وبادر إلى التفاوض ، وتوجت جهوده بالتوصل إلى معاهدة ضمنت له حقوقه وأرضه ومياهه كاملة غير منقوصة.

وهكذا، يا صاحب الجلالة ، تجاوز الأردن بقيادتكم الحكيمة مرحلة صنع السلام ، وبدأ يدخل مرحلة بناء السلام ، لينعم الشعب بثمار نضاله الطويل ، وجهوده المضنية ، ويواصل مسيرته في طريق السلام والتنمية بخطى واثقة.

سيدي صاحب الجلالة

إنّ مجلس الأعيان ليشيد بالجهود التي بذلتموها جلالتكم – منذ أن تحملتم مسؤولياتكم الجسام – في سبيل تطوير الأردن ، والنهوض به ، وإدخاله في مراحل التحديث ، وإكسابه أسباب القوة والمنعة ، وبعزم جلالتكم على وضع الأردن على خريطة العالم الإقتصادية ، وقد جاء مؤتمر قمة عمان الإقتصادية تتويجاً لهذه الجهود المباركة ونتيجة طبيعية لمرحلة السلام ، وإنّ شعبكم الوفي ليستبشر بما يلوح في الأفق من مؤشرات الإنتعاش الإقتصادي ، ومن إمكانيات توافر مناخ مناسب وبيئة صالحة للإستثمار المحلي والعربي والدولي ، وخاصة بعد أن أكدتم جلالتكم – في خطاب العرش – أن حكومتكم الجليلة ستستمر في جهودها لمأسسة الإدارة العامة وإتخاذ الإجراءات التي تحد من الروتين ، والتي تتميز بالبساطة والشفافية بهدف تفعيل الدور الريادي للقطاع الخاص في التنمية.

ويقدر المجلس بتأييد مطلق الخطط المعتمدة للعناية بتوفير الأمن الشامل للوطن والمواطن بأبعاده الإجتماعية والصحية والغذائية من خلال توفير فرص العمل وتطوير مشاريع العون الإجتماعي وتوسيع مظلة التأمينات الصحية وكذلك تطوير البرامج الزراعية ، ودعم المزارع المنتج واستمرار وصول الدعم إلى مستحقيه بأفضل الوسائل والأساليب ونشر خدمات البنية الأساسية في مختلف محافظات المملكة بعدالة.

ونحن مع جلالتكم في أنّ المسيرة التربوية هي أساس التنمية وقاعدة التقدم ، وأنّ متطلبات المستقبل والأجيال القادمة تقتضي تعزيز الثروة المعرفية ، وتطوير الأساليب التربوية ، وترسيخ مفاهيم المشاركة والتعاون الديمقراطية ، وكل ذلك يستدعي أن تظل الحركة الثقافية موضع رعاية ، لتعزيز حرية التعبير ، ودعم الكتاب والمبدعين ، وكذلك يستدعي أن يتاح للشباب المناخ المناسب لتفجير طاقاتهم لخدمة بلدهم ووطنهم ، وأن ترتقي وسائل الإعلام المتعددة لتكون بحق صورة الوطن في الداخل والخارج ، وهو ما يقتضي تعميق دور هذه الوسائل ، ومنها الصحافة ، في إطار من الحرية المسؤولة . كما نؤيد جلالتكم فيما نبهتم إليه من وجوب البعد عن الغوغائية وإنكار الإنجاز وإغتيال الشخصية وتدمير السمعة. وما أكدتموه من أنّ منابرنا يجب أن تبقى ملتزمة بعقيدتنا وثوابت أمتنا بمنأى عن التعصب والإنغلاق وعن إتخاذ الدين وسيلة لتحقيق غايات ذاتية أو حزبية أو فئوية.

سيدي صاحب الجلالة

إنّ كل ما تحقق حتى الآن من إنجازات باهرة ، وما نتطلع إلى تحقيقه في المستقبل بقيادتكم الهاشمية بإذن الله تعالى ، ما كان له أن يحدث لولا توفيق الله عز وجل لجلالتكم بتوفير جو كريم من الاستقرار والأمن للوطن والمواطن ، وفي هذا المجال لا بد أن نشيد بما ذكرتموه جلالتكم من وجوب أن ينال قضاؤنا الأردني النزيه الرعاية والإهتمام والدعم والمحافظة على استقلاله ، حتى يبقى ضمانة للعدالة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم .

وكذلك لا بد لنا في هذا المجال: مجال الأمن الشامل للوطن والمواطن ، من أن نؤكد الإعراب عن مشاعر التقدير لقواتنا المسلحة الباسلة ، درع الوطن وسياجه ، وأن نسجل لهذه القوات بطولاتها وتضحياتها في جميع المعارك التي خاضتها دفاعاً عن الوطن وحقوق الأمة ولقد كانت الأجهزة الأمنية هي الرديف الأمين لهذه القوات فأتاحت للمواطن الاطمئنان على نفسه وعرضه وماله وهو ما يستوجب الإشادة بدورها والدعم المتواصل لها ولقواتنا المسلحة لتمكينهما من أداء رسالتهما.

سيدي صاحب الجلالة الهاشمية

إنّ مجلس الأعيان ليشيد برعاية جلالتكم المستمرة لمسيرتنا الديمقراطية ، في مناخ من الحرية والتعددية ، وفي إطار من الإنتماء السليم والإلتزام بمصلحة الوطن العليا. ويؤكد مع جلالتكم أنّ الديمقراطية لا تعني الفوضى والمس بنظام الوطن وثوابته ووحدته الوطنية وإنكار إنجازاته وتشويه سمعته وسمعة مواطنيه ، وإنّ مجلس الأعيان ليعاهد جلالتكم على التصدي للظواهر التي تحارب الديمقراطية بسيفها ووضع حدٍ لهذه الظواهر الغريبة عن مجتمعنا وقيم أمتنا وفق أحكام الدستور والقانون.

سيدي صاحب الجلالة الهاشمية

إنّ مجلس الأعيان – إذ يرفع بكل الحب والولاء إلى جلالتكم رده على خطاب العرش – ليضرع إلى الباري عز وجل أن يبارك لكم في عمركم ، وأن يمدكم بأسباب التوفيق ، لتسيروا بشعبكم الأردني في مراقي العزة والرفاهية ، ولتحققوا آمالكم في تضامن أمتكم العربية ووحدتها ، ويكرر معكم دعائكم القرآني الذي نادى به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ربه بقوله :
( رب اجعل هذا بلداً آمناً وأرزق أهله من الثمرات )

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،