مجلس الأمة
نسخة للطباعة

رد مجلس الأعيان على خطاب العرش السامي
في افتتاح الدورة العادية الرابعة
لمجلس الأمة الحادي عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي صاحب الجلالة
الهاشمية الملك الحسين المفدى
حفظه الله ورعاه

يتشرف مجلس الأعيان برفع أطيب التحية مقرونة بأصدق الولاء وعميق الامتنان، إلى مقامكم السامي على تفضلكم بافتتاح الدولة العادية الرابعة لمجلس الأمة الأردنية الحادي عشر.

لقد كانت هذه المناسبة عيد للشورى والديمقراطية، التي ارتضاها جلالتكم وشعبكم الوفي، وأصبحت اليوم التزاماً وطنياً ومنهجاً سيبقى بإذن الله منارة للحرية والعدل والأمان، والحفاظ على كرامة الإنسان، قائماً أبداً على الحوار المسؤول، بعيداً عن كل أنواع التعصب والتطرف، هادفاً إلى تعزيز الوحدة الوطنية المقدسة، وإشاعة الاستقرار والازدهار والسلام الاجتماعي في ربوع الوطن كله، مستنداً إلى مبادىء الدستور والميثاق الوطني وإلى أخلاق شعبكم العربي الأردني المعتز دوماً بانتمائه الأصيل إلى الحضارة العربية الإسلامية.

لقد جاء قرار الحكومة بإلغاء الأحكام العرفية وقانون الدفاع لعام 1935، والأنظمة المنبثقة عنه، خطوة هامة ومؤشراً بارزاً على انتهاء المراحل الاستثنائية، واستئناف عهد الديمقراطية الكاملة وسيادة القانون، وقد توجتم هذه المرحلة يا صاحب الجلالة، بمكرمة العفو العام، فكانت انعكاساً صادقاً لجوهركم الإنساني وقيادتكم الحكيمة، ودعوة مسؤولة لكل أبناء الوطن ومؤسساته، من أجل المزيد من الحوار واحترام القانون، والتلاحم والحرص على سلامة المجتمع الأردني وتماسك الأسرة الواحدة، والتزام الجميع بصون المجتمع الديمقراطي وحماية استقراره، ووضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار.

إن مجلس الأعيان وهو يتابع بالاعتزاز والتقدير خطوات جلالتكم الرائدة على كل صعيد، ليؤكد إيمانه الراسخ بصدق إحساسكم لنبض شعبكم، وسداد رأيكم في مختلف الظروف والمواقف، ويؤكد المجلس بهذه المناسبة، إن حماية المسيرة وتعميق النهج الديمقراطي في وطننا، مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المؤسسات والأحزاب والجماعات والأفراد، على اختلاف المواقع وتعدد الأفكار والآراء والاجتهادات، وبذلك فقط يصبح الأردن واحة للديمقراطية قولاً وفعلاً. وعلى الرغم من صعوبة الظرف، إلا أن الممارسة المسؤولة من جميع الأطراف، هي الكفيلة بجعل الأردن مثالا يحتذى لاستقطاب المزيد من الاهتمام والتقدير وشد الأنظار إليه من كل صوب. وفي هذا المناخ الصحي الحر تنمو المواهب وتزدهر الكفايات وتتسع دائرة الوعي والإبداع في المجالات الفكرية والثقافية المختلفة، وما انعقاد المؤتمرات والندوات الوطنية والعربية والدولية، الفكرية منها والسياسية والثقافية في عمان، إلا دليل على صحة التوجه وسلامة الموقف ومصداقية المسيرة.

وسيكون لإنشاء مركز في عمان لدراسات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل، بعد ايجابي آخر يؤكد رسالة هذا البلد القومية والإنسانية، ويستجيب لأشواق أمتنا العربية وتطلع أجيالها الصاعدة إلى الوحدة والحرية والحياة الأفضل.

إن مجلس الأعيان إذ يشارك جلالتكم الحرص على رعاية قواتنا المسلحة، ليؤكد إيمانه بأن الجيش العربي كان وسيبقى بعون الله، سيف الوطن وسياجه وضمان استقلاله، وطليعة من طلائع الثورة العربية الكبرى والتحرير، حامياً لمنجزاتنا الحضارية ومدافعاً عن تراب الوطن وعن الكرامة العربية. وإن مجلس الأعيان وهو يتطلع إلى المستقبل بكل الثقة واليقين بانتصار الحق، ليأمل أن يستمر دعم الحكومة والشعب الأردني لهذا الجيش، ولمؤسسة الأمن الوطني بأجهزتها المختلفة، حتى تظل أبداً عند حسن ظن القائد وأمل الشعب، قوية بالحق والقانون وحريصة على حرية المواطنين وسلامة الديمقراطية، وصون كرامة المواطن، وحقوقه الدستورية في ظل سيادة القانون.

إن مجلس الأعيان يا صاحب الجلالة يرى في مبادرة جلالتكم الشخصية في تبني إصلاح قبة الصخرة المشرفة مكرمة هاشمية من مآثر آل البيت وتضحياتهم الموصولة في سبيل المسجد الأقصى وأرض الإسراء والمعراج، تذكر بقائد ثورة العرب الحسين بن علي طيب الله ثراه الذي ربط عرشه ومصيره بالحفاظ على فلسطين وطناً وشعباً وهو النهج الذي التزم به الملك الشهيد عبدالله بن الحسين، ويرحب المجلس بقيام جامعة آل البيت صرحاً جديداً على أرض الأردن انسجاماً مع رسالته العربية الإسلامية، كما يؤيد جهود الحكومة لاستكمال الإجراءات الضرورية لإصلاح المساجد التاريخية ومقامات الصحابة رضوان الله عليهم.

إن مجلس الأعيان يشير بكثير من الاهتمام والتقدير لدور السلطة القضائية في المجتمع الديمقراطي، ويؤكد على ضرورة دعم القضاء وتعزيز استقلاله، وإن المجلس وهو يعي أهمية التنمية الإدارية ودورها في بناء المؤسسات وتقدم الوطن، فإنه يقدر للحكومة جهودها الموصولة في تطوير الإدارة وإصدار نظام الرقابة والتفتيش الإداري، وتوجهها لتوفير المزيد من الضمانات لصيانة المال العام، ويؤكد المجلس في الوقت ذاته على ضرورة اعتماد الكفاية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، والعمل على تحرير قرار الإدارة من المزاجية والفردية، والوصول به إلى المؤسسية، حيث تتعزز الثقة بمؤسسات الدولة، وتتوفر الضمانات لمزيد من العدالة في تعامل الإدارة مع المواطنين في مختلف المجالات ، في اطار من التوازن بين الحقوق والواجبات.

إن مجلس الأعيان وقد تابع باهتمام وتقدير كبيرين، محاولات الحكومة المستمرة لمعالجة البطالة ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية وتطوير أجهزتها المختلفة، فإنه يشعر بالقلق لزيادة إعداد المتعطلين عن العمل وارتفاع منسوب خط الفقر بصورة ملحوظة، إذ أصبح يشمل إعدادا من المواطنين وشرائح اجتماعية كانت إلى فترة قريبة فوق خط الفقر، ومع ملاحظتنا أن هناك حركة عمرانية مزدهرة، وزيادة ملموسة في بعض أوجه النشاط التجاري والصناعي في المملكة، إلا أن هناك دلائل واضحة على تفاقم مشكلة البطالة، وبروز بعض مظاهر الانحراف الاجتماعي الخطر، وهي بمجموعها ظواهر سلبية تشكل في رأينا حالة جديدة تستدعي التوقف عندها طويلاً، وتحتاج إلى تضافر جهود السلطات الثلاث في الدولة بجميع مؤسساتها وأجهزتها للتصدي لهذه المشكلات والحيلولة دون استفحالها. كما تستوجب وضع وتنفيذ استراتيجية وطنية متكاملة للتنمية الاجتماعية بجميع أبعادها، وتفعيل مفهوم التكافل الاجتماعي بشتى الوسائل والسبل.

وإن مجلس الأعيان، إذ يقدر الجهود المبذولة في هذا المجال، ويحترم وجهات النظر المختلفة حول أساليب العمل والأولويات في هذه المرحلة، إلا أن قضايا العمل والتعليم والتوجيه والصحة والإسكان والبيئة وما يتصل بها أو ينجم عنها من بطالة وفقر وجريمة، وهي لب المشكلة وجوهر سياسات التنمية وأهدافها، وهي في رأينا لا تقل بحال من الأحوال عن قضايا الحرية والحاجة إلى الأمن وضرورة المشاركة في صنع القرار.

إن مجلس الأعيان ليشيد بما تحقق من نمو الإيرادات المحلية للخزينة حتى أصبح بالإمكان تغطية النفقات الجارية وتمويل جانب كبير من استثمارات الحكومة ويؤيد المجلس كذلك توجهات الحكومة لإنشاء عدد من السدود الجديدة، مؤكدين على ضرورة أخذ البعد البيئي بالاعتبار في هذه المشاريع، كما يبارك إنجاز الاستراتيجية الوطنية للبيئة، ويثمن جهود الحكومة للإسراع في تقديم مشروع قانون جديد للبيئة إلى مجلس الأمة، ويأمل أن يلقى اهتمام المواطنين المتنامي بقضية البيئة في جميع مناطق المملكة، باعتبار أنها قضية الحياة، تجاوباً من مؤسسات الدولة والتزاماً جاداً من الإدارة على أرض الواقع بنفس المستوى.

ولما كان التعليم حقاً طبيعياً لكل إنسان، فإننا نعتقد، ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين، إن المحافظة على النوعية ضرورة تقتضيها الحادة إلى التطور والقدرة على التعامل بوسائل العصر وتقدم العلوم والتكنولوجيا. ومن هذا المنطلق فإن المجلس يؤكد على أهمية استمرار عملية التطوير التربوي، والعمل على رفع مستوى المعلم والإعلاء من شأن مهنته، وإعادة اعتبار رسالة التعليم بكل قيمها السامية ومضامينها الايجابية. ولما كانت الوظيفة الأساسية للنقابات المهنية في المجتمع الديمقراطي، هي رفع شأن المهنة وتطوير أداء العاملين فيها بكفاية وأمانة ومسؤولية، فإن مجلس الأعيان إذ يرحب بإنشاء نقابة للمعلمين، ليأمل أن تقوم النقابة المنتظرة بدورها بما يعزز هذه الأهداف ويسهم في تقدم المجتمع.

وإن مجلس الأعيان وهو يتطلع إلى قيام جامعاتنا الرسمية والأهلية، بدورها الفاعل في تطور المجتمع الأردني والإسهام في تقدمه، فإنه يشدد على ضرورة استمرار عملية التقييم العام لمسار التعليم العالي ورسم سياسة مستقبلية لهذا القطاع، بما يضمن النوعية وسلامة الأداء، ويلبي حاجات المجتمع ويسهم في حل مشكلاته على أسس علمية.

إن مجلس الأعيان يتفق مع جلالتكم في تشخيص الموقف الدولي وما يحمله من أخطار جسيمة على الكيان العربي وعلى قضايا أمتنا المصيرية، في ظل التمزق الراهن وغياب الإرادة العربية والموقف الموحد.

ويؤيد المجلس مساعيكم الدؤوبة لحل الخلافات ورأب الصدع وبناء موقف عربي موحد، ويدعو إلى تصويب دور الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي من أجل خير هذه الأمة والدفاع عن مصالحها المشروعة.

إن مجلس الأعيان وهو ينطلق من ثوابت الموقف الأردني تجاه قضايا أمته المصيرية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، يلاحظ بصورة لا تحتمل الشك أو التأويل، إن استجابة الأطراف العربية وأداءها خلال سنة كاملة من بدء مفاوضات السلام، وحرصها المستمر على التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وإنهاء النزاع في هذه المنطقة، لم يقابل إلا بمزيد من التعنت والسلبية والمراوغة، والإمعان في تنفيذ المخطط الصهيوني العنصري على أرض فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الأردن وجنوب لبنان وفي الجولان، مما يحتم العمل على إعادة اللحمة بين الأخوة والأشقاء، والتأكيد على تحقيق موقف عربي فاعل للتعامل مع هذه الحالة، من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل يضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني ويستند إلى الشرعية الدولية، وتحقيق الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف.

كما يشيد المجلس بجهود جلالتكم وسياسة الأردن الثابتة في نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، ورفع المعاناة عن شعب العراق الشقيق والوقوف بقوة وحزم إلى جانب وحدة ترابه، ورفض مؤامرات تقسيمه أو المساس بسيادته واستقلاله، ومد يد العون لشعوب مسلمة شقيقة تتعرض للعدوان والظلم والتشريد مثل الصومال والبوسنة والهرسك.

سيدي صاحب الجلالة ،،،

إن قيادتكم الحكيمة لمسيرة هذا الوطن العزيز، ووعي شعبكم وإيمانه الذي لا يتزعزع بالله وبوحدة أمته وبالمستقبل، كفيلة بتذليل كل الصعاب وضمانة أكيدة لمواصلة البناء والنماء.

سدد الله خطاكم وأبقاكم موفور الصحة والعافية سنداً وذخراً لشعبكم ولأمتكم. إنه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،