مجلس الأمة
نسخة للطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب الجلالة الملك الحسين المعظم حفظه الله ورعاه

يشرف مجلس الأعيان أن يرفع إلى مقامكم السامي أخلص التحية ، وأجمل العرفان، وأصدق الامتنان، على ما تفضلتم به، في خطاب العرش السامي، من تحية حارة، لمجلس الأمة، وثناء طيب على جهده، وتنويه كريم بما انجزه في اقرار التشريعات وممارسة الشورى، في اطار التعاون الوثيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويعاهد مجلس الأعيان جلالتكم على أن يبقى، كما كان دائماً، " مخلصاً للعرش المفدى، متمسكاً بأحكام الدستور، أميناً" على الرأي والمشورة، لتتفق التشريعات مع مقتضيات الاصالة والمعاصرة، وتحقق السياسة العامة للدولة ما تصبون إليه جلالتكم لحياة أسرتكم الأردنية الوفية من منعة وكرامة وخير ونماء.

ولقد شهد الأردن، منذ توليتم جلالتكم أمانة المسؤولية، وطوال العقود الماضية، نهضة عمرانية شاملة، وزخما " انمائياً " قل نظيره بين الدول النامية. وتمثلت هذه النهضة، وذلك الانماء، في انتشار الخدمات العامة، واتساع النشاطات الانمائية في جميع الميادين الاجتماعية والاقتصادية، وتمتع بنعم هذه النهضة والتنمية وبركاتها المواطنون كافة وقطفوا ثمارها.

وتصدرت قيادة جلالتكم الرائدة جبهة التقدم والفلاح، بما نصبتم من شواخص المسيرة، ورسمتم من معالم الطريق، في توجيهات خطب العرش وكتب التكليف السامية للحكومات المتعاقبة، واستقيتم معاني هذه التوجيهات ومراميها من مبادىء النهضة العربية الكبرى، في الوحدة والحرية والحياة الفضلى، وهي رسالة هذا البيت الهاشمي العريق، الذي نعتز بقيادته ونفخر على الايام.

سيدي صاحب الجلالة،

وقد جاء خطاب العرش السامي، كالمعتاد، فرصة مثلى لتقويم الانجاز، وشرح الحاضر، واستشراف المستقبل، ولا يخفى أن لهذا البلد، الصغير بسكانه وموارده، الكبير بقيادته وأمانيه، نظاماً " واضحاً " للأولويات والاسبقيات تستنير به حكومة جلالتكم، وتهتدي سياستها العامة بهديه، ومن أهم ملامح هذا النظام:

  • الحفاظ على الأمن الداخلي، وتعني هذه الأولوية، فيما تعني، توفير الأمن والأمان للمواطن. وصون حياته وملكه وكرامته من أي سوء أو عبث، واحترام حقوقه الانسانية كاملة، وافساح الفرص لممارستها، في ظل سيادة القانون والنظام، وتحقيق العدالة في اطار استقلال السلطة القضائية.
  • والدفاع عن الأمن الخارجي للوطن، بما يكتنفه من تهديدات داهمة وتحديات محدقة، تتمثل أول ما تتمثل، في استمرار الاحتلال الاسرائيلي الغاشم للأراضي العربية، وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وامعانه في ممارسته التعسفية، ولا سيما التهويد والتشريد وتضييق فرص العمل وكسب أود الحياة، ومصادرة الأراضي والمياه، واقامة المستوطنات والأعتداء على المقدسات لذلك كانت وما زالت، القضية الفلسطينية محور السياسة الأردنية، ومركز اهتمامها، وأمسى دعم أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزه لتمكينهم من الصمود في معركة البقاء مرتكزاً "حتميا" لهذه السياسة، ببعديها الداخلي والخارجي معاً
  • والعناية الفائقة بنشر الخدمات العامة في جميع المدن والقرى والتجمعات السكانية، أينما كانت، والاستمرار في رفع مستوى هذه الخدمات، وتحسين الأداء والعطاء وتطويرهما، ليحاط المواطنون بأسباب المعيشة الراضية والتحديث والحضارة المعاصرة
  • والعمل الحثيث على زيادة الانتاج الزراعي والصناعي والسياحي، وزيادة مساهمة قطاع النقل وغيره من القطاعات في الدخل القومي، بحيث يتجاوز معدل الزيادة في الدخل القومي معدل الزيادة في عدد السكان، وتوزع مكاسب التنمية توزيعاً أقرب إلى العدالة الاجتماعية، وتزول علامات الفقر أو العوز من جبين هذا الوطن الناصع.
  • وترسيخ قواعد التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي والتعاون الفني والعلمي بين الأقطار العربية، وعقد الاتفاقات التجارية، وتأسيس المشروعات المشتركة، الثنائية أو المتعددة الأطراف، وتبادل الآراء والخبرات في الأمور الجوهرية والمعضلات الطارئة.
  • وتحديث الخلفية التشريعية للخدمة العامة والتنمية الشاملة، وما يترتب على ذلك من تطوير إداري، وتعزيز للحكم المحلي والمشاركة الشعبية في صنع القرار، وتشجيع للادخار والاستثمار، والربط المتكامل بين مبادرات القطاع الخاص والمصلحة العامة.

ولقد أولت حكومة جلالتكم هذه الأولويات، أو القواسم المشتركة، في السياسات العامة جُل عنايتها واهتمامها، وبذلت كل جهد ممكن في " تأمين جميع وسائل الدعم الممكنة لقواتنا الهاشمية العربية المسلحة" وفي تدريب الجيش الشعبي، وتعزيز أجهزة الأمن الداخلي، وتحسين خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ، ومد شبكات النقل والطرق والمواصلات وبناء المساكن وتزويدها بالماء والكهرباء، وتجويد مضامين الوعظ والارشاد والثقافة والاعلام والنشاطات الشبابية.

فاستقرت نقلات المجتمع النوعية، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من نمط الحياة ومستوى المعيشة. كما تابعت الحكومة، مشكورة، تنفيذ مشروعات خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية ووضعت برنامجاً " شاملاً للتنمية والصمود في الضفة الغربية وقطاع غزة، عهدت بتخطيطه وتنفيذه لنفر خير من ابنائها المقيمين فيهما. وقد مضت الحكومة في التطوير الاداري وتحديث التشريع أشواطاً" بعيدة، سيكون لها ما بعدها من الآثار الايجابية المنشودة. وأصبحت عاصمة مملكتكم الفتية، عمان، ملتقى المؤتمرات والندوات وحلقات البحث والتدريب التي اجتذبت المسؤولين والمفكرين والخبراء، من كل فج عميق، فتبادلوا الآراء والخبرات في جو مفعم بالمحبة والاحترام والحوار الحر المسؤول.

وإذ يؤيد مجلس الأعيان جهود حكومة جلالتكم تأييداً " قويا " ، ويثني عليها ثناء عاطراً، فانه لا يملك الا أن يشير إلى حقيقة من حقائق الموقف، وهي ضغط هذه الالويات بالتزاماتها المالية المستحقة على مواردنا المكدودة. فلا تكاد تبلغ المخصصات، في الكثير من الأحيان، حدود الكفاية، وأن العجز في الموازنة يجثم بثقله على صدر الموقف المالي للخزينة، ومركز الاحتياطيات بالعملات الأجنبية، وفي ظروف المواجهة على أطول خط من خطوط النار، وتصاعد التزامات دعم الصمود، والقلق الاقتصادي العالمي والاقليمي، لا مناص من مطالبة الدول العربية الشقيقة بالوفاء بالتزاماتها المالية المقررة، لمساعدة الأردن على تجاوز هذه الظروف العصيبة. ويهيب مجلس الأعيان بهذه الدول الشقيقة أن تستجيب لنداء الواجب القومي نحو الأردن، الذي يعتبر، بحق، أمنه وقوته الذاتية خط دفاعها الأول، كما يمثل نماؤه " رافدا " من روافد بحر الأمة الكبير، من الخليج إلى المحيط.

يا صاحب الجلالة،

وبالاضافة إلى هذه الأولويات الثابتة والقواسم المشتركة العظمى، في سياسة الدولة، فقد استجدت على الساحة الأردنية، منذ خطاب العرش السامي السابق، مواقف وأحداث، جديرة بالتنويه والاهتمام العميقين. ولا يفوت مجلس الأعيان ذكرها، ومن أهم هذه الأحداث والمواقف:

  1. التطوير التربوي، ذلك أن ثلث سكان المملكة يجلسون اليوم على مقاعد الدراسة في رياض الأطفال والتعليم الالزامي والثانوي والعالي، وأن الشغل الشاغل للثلثين الآخرين من السكان هو محتوى هذه الدراسة ومستواها ونتاجها المنتظر أو المتوقع، بعد أن أطلت البطالة بين صفوف المتعلمين برأسها، وما تفرضه من قعود مكره على الخريجين والخريجات من كليات المجتمع والجامعات.
    وفي ضوء تفجر السكان، وتفجر المعرفة، وطغيان لغة العلم والتكنولوجيا والمعلوماتية في الحاضر والمستقبل، ولما كان القرن الحادي والعشرون سيهل عندما يخرج إلى الحياة العملية الأطفال الذين انتسبوا للمدارس في هذا العام. فان من الطبيعي، ومن حق هذه الأجيال الصاعدة، أن تستثير التفكير، حول التقويم والتطوير، ليكون اعدادها للعمل المنتج في المستقبل أكثر كفاءة وأكبر نجاعة. وهكذا جاء المؤتمر الوطني للتطوير التربوي، وما سبقه من دراسات، وما سيتبعه من تطبيقات، في موعده الأنسب. فلجلالتكم، ولسمو الأمير الحسن المعظم، وللحكومة، ولكل من شارك في عمليات التقويم والتطوير، يزجي مجلس الأعيان أحر الشكر وأعمق التقدير.
    وبهذا الصدد، ينوه المجلس ببناء (115) مدرسة قيد الانشاء، وبعزم الحكومة على بناء (165) مدرسة أخرى في المستقبل القريب. واذ تتيح هذه الأبنية المدرسية جواً " تعليمياً " أفضل، فانها ستسمح باطالة اليوم المدرسي، والغاء نظام الفترتين الذي فرضته الظروف القاهرة على النظام التربوي الأردني، وكان سبباً من أسباب ضعف أدائه وعطائه.

  2. وأن الاتفاق مع الشقيقة سورية على بناء سد الوحدة انجاز رائع بكل مقياس. فلطالما حلمت الخطط الانمائية الأردنية بهذا السد، وبما يمكن أن يحفظه من الماء الذي جعل منه العلي القدير كل شيء حي، وبما يمكن أن يولده من طاقة كهربائية رخيصة. وأن مجلس الأعيان ليرحب أحر الترحيب بهذا الاتفاق ويشكر جلالتكم والحكومة عليه، ويتمنى له سرعة التنفيذ، والنجاح في تحقيق غاياته الواعدة بالخيرات والبركات.
  3. ولا شك في أن وضع مشروع قانون محكمة العدل العليا، وتيسير التقاضي، وتأسيس " المؤسسة الطبية العلاجية " والنظام الوطني للمعلومات، وإدارة بعض المؤسسات العامة كشركات، واستغلال الغاز الطبيعي المكتشف، وتشكيل أمانة عمان الكبرى، ومساعدة البلديات على تقوية مواقفها المالية، كل هذه الخطوات في الاتجاه السليم المجدي، وتستحق كل التقدير والتأييد.
  4. وكانت وحدة الأمة العربية، على اختلاف أقطارها وأمصارها، الهدف الأول للثورة العربية الكبرى. فهذه الأمة أمة واحدةً: " لغة، ودينا، وتاريخاً، وتراثاً، ومصلحة، ومصيراً". ولن يثبت في الأرض أمن هذه الأمة وحريتها وحياتها الفضلى الا من خلال وحدة أملها وعملها. ولن تتأتي كرامة الانسان العربي الا من خلال كرامة الأمة بأسرها وصون حقوقها وثرواتها ومقدساتها.
    وقد عانى النظام العربي، في السنوات الأخيرة، من مظاهر التفرق والتمزق والانكفاء القطري وغياب العمل المشترك، فجاء جهد جلالتكم في لم الشمل، وجمع الكلمة، وعقد مؤتمر القمة، قمة في الانجاز والعطاء، وفاء " لوحدة الأمة وخدمة " لمصلحتها العليا. ولقد نوهت بهذا الانجاز الحكومات العربية ووسائل الاعلام الدانية والقاصية، وجاء اختيار عمان ملتقىً للقمة تقديراً لجهد جلالتكم الشخصي في تنقية الأجواء والتقريب بين وجهات النظر. وإذ يشكر مجلس الأعيان لجلالتكم هذا السعي المتواصل المبرور، فان المجلس يتمنى لمؤتمر القمة العربية أقصى النجاح والفلاح، في توحيد الهدف والصف، ازاء الاخطار الداهمة والتحديات الجاثمة على الصدور.
  5. وأن الضغط الايراني الظالم على الكويت الشقيق، والحادث المفجع الذي افتعله حجاج النظام الايراني الحالي في بيت الله الحرام ، ورفض هذا النظام الانصياع لقرار مجلس الأمن رقم (598)، كل هذه الأحداث المتتالية أثبتت، لكل ذي بصيرة أطماع هذا النظام العنصري في الأرض العربية، وها هي ذي المؤامرة الاسرائيلية – الايرانية تستهدف تجزئة المشرق العربي وتمزيقه وبلقنته. وتحاول الهيمنة عليه، والسيطرة على مقدراته، والتصرف بثرواته، وتدويل مقدساته ، كما أثبتت ايضاً صدق الرؤية الأردنية بضرورة دعم العراق الشقيق في وجه هذه الموجة الغازية العنصرية، دون توقف السعي المخلص لوقف هذه الحرب المدمرة، التي لا يستفيد من استمرارها سوى اسرائيل وأعداء الأمة، وتجار السلاح والموت. وإذ يؤيد مجلس الأعيان هذا الموقف الأردني الحصيف، فانه ليشيد بتضحيات الجيش العراقي الباسل في الدفاع عن وطنه وأمته، وينوه بموقف العراق الايجابي من قرار مجلس الأمن، ورغبته الصادقة في حقن الدماء والانصراف للتعمير والبناء.
  6. وقد وجدت دعوة جلالتكم للمؤتمر الدولي للسلام آذانا " صاغية " وقلوبا " واعية "، لدى القادة والساسة الذين استمعوا لحكمة جلالتكم، ولمسوا أبعاد معاناتكم، وأدركوا معاني خبرتكم الطويلة بالنزاع، واستشفوا حرصكم على استتباب السلام والأمن في المنطقة. فاجتمع، لذلك، رأي عام دولي، واسع الانتشار وبالغ التأثير، يؤمن بأن المؤتمر الدولي هو الوسيلة الفعالة الوحيدة لاحلال السلام الشامل، الدائم العادل، ومن المؤسف حقاً " أن يبقى الموقف الاسرائيلي المتعنت مصراً" على العدوان والاستيطان، موصلاً المساعي وفرص السلام إلى الطريق المسدود. ويعتقد مجلس الأعيان أن الاحتلال البغيض، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، والتمادي في البغي والعدوان ما كانت لتستمر لولا تدفق المساعدات العسكرية والمالية الباهظة لاسرائيل، وأن من الظلم أن يدعم الظلم، ومن البغي أن يساعد البغي والعدوان.
  7. ولقد أدرك مجلس الأعيان الحكمة في قرار جلالتكم الذي أصدرتموه، بمقتضى الفقرة الأولى من المادة (68) من الدستور، بتمديد مدة مجلس النواب لفترة لا تزيد على السنتين، وذلك لمنح عملية التسجيل والاعداد للانتخابات وقتاً " أطول ".
  8. ويؤيد المجلس هذه الخطوة وحرص جلالتكم على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية الديمقراطية في ممارسة الصلاحيات، وتحمل المسؤوليات.

يا صاحب الجلالة،

أن المسؤوليات التي تضطلع بها حكومة جلالتكم جسيمة وعظيمة، لا سيما في هذه الظروف الحاسمة، وإذ يقدر مجلس الأعيان جسامة المسؤولية وأمانة الحكم، فانه يعد بالتعاون الوثيق والشورى الأمينة مع الحكومة، مستلهمين في ذلك النطق السامي في توجيه الحاضر واستشراف المستقبل.

وفقكم الله – يا مولاي، وسدد خطاكم على طريق الخير والنماء، وملأ أيامكم بالعزة والسعادة، وكلل جهدكم بالنصر من عنده.
"أنه نعم المولى ونعم النصير"

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته