مجلس الأمة
نسخة للطباعة

الحســـين بـــن طــــلال
خطـــاب العـــرش
فـــي
افتتــاح الــدورة العــادية الرابعـــــة
لمجلـــس الأمــــة الأردنـــي العاشــــر



فــي يـــوم الســــبت
فــي 29 صـــفر ســنة 1407 هجريـــة
الموافــق 1 تشـــرين ثــاني 1986 ميلاديـــة

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

باسـم اللـه العلي القدير، أفتتح هذه الدورة العادية لمجلسكم الموقر، وأحييكم في مطلعها أحسن تحية، وأعبر لكم عن اغتباطي العميق، بالتعاون الوثيق، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقديري للانجازات الحافلة التي تمت بفضل هذا التعاون خلال الدورة العادية السابقة، والدورة الاستثنائية التي تبعتها، واعتزازي بالجهود المثمرة التي بذلها هذا المجلس الكريم في جلسات متواصلة لدراسة ما تجمع من قوانين مؤقتة خلال السنوات السابقة أثناء غياب مجلسكم، ومناقشتها والمصادقة عليها، بالاضافة الى مشروعات القوانين التي قدمتها الحكومة خلال العام المنصرم وهذا العام، والتي جاءت لتواكب مستجدات ومتطلبات التطور والتحديث، فكانت تعبيرا صادقا عن تطلعات السلطة التنفيذية وآمالها في السير بمجتمعنا نحو تحقيق أهدافه النبيلة التي رسمنا معالمها في كتاب التكليف بتأليف هذه الحكومة. ولقد ازددت ثقة - وأنا أتابع أعمال مجلسكم في هذه الدورات في لجانه وجلساته العامة - بسلامة اتجاه مسيرتنا، وبرسوخ نهجنا البرلماني الدستوري‏.

وتعبيرا عن هذه الثقة بنظام حكمنا النيابي، جاء اصدار القانون الجديد لانتخاب مجلس النواب، متجاوبا مع التوسع السكاني والتقسيمات الادارية الحديثة، مع المحافظة على مبدأ المساواة في التمثيل بين الضفتين، كما جاء تتويجا لعزم حكومتي على اتاحة الفرض للمزيد من المشاركة الشعبية، في اطار اللامركزية ودعم الحكم المحلي في مختلف ربوع المملكة.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

انني أرى أن افتتاح مجلسكم الموقر مناسبة لوقفة تأمل في المسيرة الأردنية المباركة، وفرصة تقويم لمعالمها ومنجزاتها. وقد كنت، منذ حملت أمانة المسؤولية، وما زلت، حفيا بالحديث عن هذه المسيرة، ومتتبعا لخطواتها، وساعيا في تقويمها، وذلك بما اصدرت من كتب التكليف للحكومات الأردنية المتعاقبة. وحديثي اليوم، اليكم، حافل بالانجاز، وبالرضا عن هذا الانجاز، فليس من قبيل المفاخرة أن نقول إن الأردن قد حقق - بحمد الله وتوقيفه - في مضمار الخدمات العامة والتنمية الشاملة، انجازات ونجاحات، شاعت على أديم أرضنا الطهور، وقطف ثمارها شعبنا العزيز، وأصبحت حديث المحافل الدولية، ومضرب المثل في تجارب الدول النامية.

واذا أصبحت هذه الانجازات والمكتسبات بديهيات حياة ومعطيات واقع ، فان من واجبنا جميعا ترسيخ هذه المكتسبات، واعلاء البناء على أسسها، واضافة مكتسبات جديدة اليها. ومن واجب الأجيال الصاعدة، التي تعيش في ظلها وتتمتع بها، أن تقدرها حق قدرها بأن تبني عليها وتحميها، لما بذل من جهود مضنية، في تحقيقها. ومن موقفي هذا أدعو دور العلم ووسائل الاعلام الى شرح هذه أبعاد هذه المنجزات ومتضمناتها، ليكون لنا من ذلك حفز على المساهمة في الأداء والمزيد من العطاء.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان المعلم الأول لسياسة حكومتي هو الحفاظ على الأمن الوطني، بشقيه الداخلي والخارجي، على حد سواء، وتعزيز هذا الأمن، وصونه من أي عبث، والالتزام بسيادة القانون والنظام، ذلك أن أمن المواطنين واطمئنانهم على حياتهم وأرواحهم وأملاكهم وكرامتهم حق انساني دستوري، ولن تتحقق لنا حياة كريمة، وتنمية مجدية، وتقدم مطرد، الا باسـتتباب الأمـن والاستقرار، والوقوف ســدا منيعـا في وجه التحديات والتهديدات، مهما كان مصدرها.

لقد شرفنا الله، عز وجل، بأن نكون حماة أطول خط من خطوط المواجهة، ندرأ عن أنفسنا وعن أمتنا العربية أعتى غزوة استيطانية، واشرس حملة عدوانية عرفها التاريخ. ولن يتأتى لنا ذلك الا بمواصلة العناية بقواتنا العربية الهاشمية المسلحة، وتزويدها بكل ما نستطيع من أسباب القوة والمنعة، وأحدث وسائل التدريب والأسلحة والمهمات من مختلف المصادر المتاحة، وهو أمر لم نتوقف عنه يوما من الأيام، تأدية لحق الأمانة، وقياما بواجب المسؤولية. وقد كانت قواتنا المسلحة دائما سياج الوطن، ومناط الأمل، ومعقد الرجاء، ورمز الوحدة الوطنية، ومثال التلاحم السليم بين مختلف القطاعات لبناء الوطن والدفاع عنه، وفي الوقت نفسه، يجري تدريب الجيش الشعبي، على قدم وساق، في مختلف بقاع المملكة، ليكون هذا الجيش رديفا لقواتنا المسلحة، في الدفاع عن أرض الوطن، ومواجهة المؤامرات والتهديدات الخارجية.

كما ان الجبهة الداخلية المتماسكة الصلبة، هي ركيزة التطور والاستقرار، وهي الرافد القوي لجيشنا الباسل، ولا تقوم هذه الجبهة الواحدة وتتوطد أركانها وقواعدها الا في مجتمع مستقر آمن، وهو ما تسهر على تحقيقه أجهزة الأمن المختلفة التي تبذل حكومتي جهدها المتواصل لتطويرها وامدادها بكل ما تحتاج اليه من تجهيزات متطورة، ووسائل حديثة ونظم فعالة.

وفي نطاق سيادة القانون وتحديثه، تؤكد حكومتي احترامها للسلطة القضائية، من حيث : حصانتها، واستقلالها وادارتها. وقد حظي جهاز القضاء دائما بالاهتمام والرعاية، وسيظل يحظى بهما، تحقيقا للأهداف النبيلة التي يتوخاها من احقاق الحق ونشر العدالة. ومن هذا المنطلق تعمل الحكومة على أن تجيء القوانين مسايرة للتطور الاقتصادي والاجتماعي. وقد أنشأت الحكومة محاكم جديدة في مناطق مختلفة من المملكة، وغرفا متخصصة بقضايا الشيكات والتأمين والأحوال المدنية. ووضعت مشروع قانون متطور لمحكمة عدل عليا، مستقلة عن محكمة التمييز، استجابة لما ينص عليه الدستور. كما وضعت مشروع قانون المعهد القضائي الأردني الذي يهدف الى دعم الجهاز القضائي بالعناصر المؤهلة والمدربة لتأدية هذه الرسالة. وتم وضع مشروع قانون هيئة التحكيم الأردنيـة لحـل النزاعات بأيسر الطرق وأقصرها، ومشروع قانون حديث لأصول المحاكمات المدنية، لتيسير التقاضي وخدمة المواطنين.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ليس بخاف على أحد أن الانسان الأردني هو قطب الرحى ومركز الاهتمام، ان تلبية حاجاته الأساسية من الخدمات العامة، على أعلى المستويات الممكنة، واحاطته بوسائل الحضارة والتحديث، واغناء حياته بالقيم والمثل العليا، هو الشغل الشاغل لحكومتي.

لقد نجحنـا فـي ميدان التربية والتعليم نجاحا مرموقا، قل نظيره حولنا، فاستوعبت فرص التعليم الالزامي جميع أبنائنا وبناتنا في سن هذا التعليم، وانتشرت المدارس الثانوية في جميع المدن والقرى، وأصبحنا، من حيث الكم، نضاهي أرقى الدول المتقدمة. وبعد أن وفرنا كامل البنية الأساسية لهذا المصنع التربوي الكبير الذي شدناه لاعداد المواطن العربي المنتمي لأمته وعقيدته : وطنا وتراثا وتاريخا وثقافة، حق الآن أن نستزيد من العناية بالمستوى، ونحسن في نوعية الفرص التعليمية.

وفي هـذا الاطار،‏ تعمل حكومتي على اعادة النظر في السياسة التعليمية، وتطوير البرامج والمناهج والكتب المدرسية، وتعميم المختبرات والمكتبات والمشاغل المهنية، وادخال استخدام الكمبيوتر في المدراس، وتدريب المربين الاداريين على أوسع نطاق، وتطبيق اللامركزية في ادارة التعليم. ويعكف مجلس التربية والتعليم والوزارة على دراسة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، للربط بين العلم والعمل، وتأمين القوى البشرية المدربة وفق متطلبات التنمية الشاملة وحاجات المجتمع الحديث.

وقامت حكومتي بخطوات واسعة في سبيل التوسع في التعليم العالي داخل المملكة مع الحرص على النهوض بالمستوى العلمي. فأنشات جامعة جديدة تسمى " جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية " وأنشأت الجناح المدني لجامعة مؤتة، وأقرت مبدأ السماح بانشاء الجامعة الاهلية، كما زادت في أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات الأردنية بنسب متفاوتة وصلت الى 50% في الدراسات العليا على ما كان في السنة الماضية، وأنشات كلية مجتمع جديدة للمهن الهندسية في الطفيلة بدأ التدريس فيها هذا العام، بالاضافة الى ما تضمنته الخطة الخمسية من انشاء كلية مجتمع في معان. ووضعت وزارة التعليم العالي الأسس والمعايير الكفيلة برفع مستوى كليات المجتمع والمعاهد من أجل اعداد الفنيين المتوسطين اعدادا كافيا يمكنهم من ممارسة اعمالهم في الحياة بجدارة. وكان من وسائل رفع مستوى هذه الكليات والمعاهد قرار اقامة الجسور بينها وبين الجامعات الاردنية، ليكون ذلك حافزا للطلبة على الالتحاق بالتخصصات المهنية في هذه الكليات والمعاهد، لتخريج القوى البشرية اللازمة من الفنيين المتوسطين، وليكون ذلك سببا للنهوض بمستوى هذه الكليات.

وعقدت لأول مرة الامتحانات العملية لمختلف المهن والتخصصات ضمن الامتحان الشامل لقياس المعرفة التطبيقية للطلبة وقدرتهم على ممارستها في الواقع. كما تم اصدار قوائم بالجامعات المعتمدة والموصى بها، ويتوالى نشر هذه القوائم تباعا، وذلك لتوفير الارشاد العلمي والتوجيه الأكاديمي لطلبتنا الذين يودون الالتحاق بالتعليم العالي في الخارج. وتواصل وزارة التعليم العالي ومجلس هذا التعليم دراسة أوضاع التعليم العالي ومؤسساته لسد الثغرات فيه ومعالجة كل مكوناته التشريعية والتنظيمية والادارية. وسيبقى هدفنا الأول تميز الانسان الأردني علما وخبرة وانتماء وعطاء. وفي مجال الصحة، تقوم حكومتي بنشاط واسع وجهد متصل : ففي ميدان الرعاية الصحية الأساسية حققنا انجازات كثيرة خصوصا في مجال التطعيم ضد أمراض الطفولة القاتلة، وقد شهدت منظمة الصحة العالمية واليونسيف بان الأردن في مقدمة الدول في هذا المضمار. وفي ميدان الطب العلاجي، حققنا أيضا انجازت كبيرة كان آخرها دخولنا عصر زراعة الأعضاء، فكنا أول بلد في المنطقة تجري فيه عملية زرع القلب.‏وبفضل تلك الانجازات أصبح للأردن حضور على المستوى الدولي، فانتخب لرئاسة جمعية الصحة العالمية. هذا وقد باشرت حكومتي بالاعداد لانشاء خمس مستشفيات جديدة في اربد وعجلون والطفيلة والكرك وعمان، بالاضافة الى ما أنشأته من مراكز صحية عديدة في مناطق المملكة المختلفة وما قامت به من تنظيم للخدمات الدوائية تصنيفا واستهلاكا واحكاما للرقابة عليها من حيث النوعية والسعر وحسن الاستغلال.

كما قامت الحكومة بتحديث عدد من التشريعات الصحية بينها قانون المجلس الطبي ونظام التأمين الصحي ونظام المجلس الصحي العالي الذي بدأت كثير من دول العالم تأخذ بتجربته. وسيبقى هدفنا الكبير أحاطه المواطنين ببيئة صحية نقية، وتوفير العلاج الشافي والناجع لكل مواطن بالتأمين الصحي الوطني الشامل الذي نتقدم نحوه بخطى متأنية وثابتة.

وفي ميدان الخدمات الاجتماعية، استمر جهد الحكومة في نشر المؤسسات الاجتماعية المتخصصة، وتدعيم العمل الاجتماعي الخيري التطوعي، لرعاية المعوقين والمسنين، واتاحة فرص التدريب المهني لأبناء الأسـر المحتاجة. وقد أقر مجلسكم الكريم قانون صندوق المعونة الوطنية الذي سيتيح للحكومة معالجة قضايا المواطنين الأقل حظا من خلال تكثيف جهد الدولـــة بالتنسيق والتعاون مع القطاع الخاص لمجابهة جيوب الفقر وحالات العوز، وتأمين حد أدنى من الدخل لجميع الأسر الأردنية المحتاجة. وتعمل الحكومة والجهات المعنية على استكمال المسح الاجتماعي الشامل الذي سيساهم في تحقيق الأهداف الوطنية للصندوق.

وتولي حكومتي رعاية الشباب اهتماما بالغا. وبالرغم مما تأسس في المملكة من أندية رياضية وثقافية واجتماعية، فان من الضروري، بحكم ارتفاع نسبة الشباب، دعم نشاطاتهم وتنمية مواهبهم وهواياتهم، ورعاية ابداعهم، وتشجيع مساهمتهم الى الجهد الانمائي العام. وقد أحالت حكومتي على مجلسكم الكريم قانونا جديدا لرعاية الشباب، يتيح لها الارتقاء بالخدمات التي تقدم لشبابنا، بالتنسيق بين الجهود الرسمية والأهلية في هذا المجال.

وان حكومتي ماضية في اقرار رسالتها تجاه الاوقاف واستثمارها وتنميتها، ورعاية المقدسات الاسلامية، وتنظيم شؤون الوعظ والارشاد والافتاء، والأداء السليم لوظيفة المسجد من حيث هو المؤسسة الاسلامية الكبرى، وقد أصدرت الحكومة بالتعاون مع مجلسكم، قانون الوعظ والارشاد ووضعت سياسـة واضحة لبناء المساجد وتوزيعها في جميع أنحاء المملكة، ويسرت تأدية فريضة الحج، وبدأت بوضع اللوحات التذكارية على الأماكن التاريخية، وأنهيت التصاميم اللازمة لمساجد خمسة من الصحابة " رضي الله عنهم " وسيباشر بتنفيذها في العام القادم - باذن الله -.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

لا تقتصر الخدمات العامة التي وضعتها الحكومة تحت تصرف المواطنين على خدمات التعليم، والوعظ والارشاد، والعناية الصحية، والاجتماعية، ورعاية الشباب، والقضاء، فهي تذهب الى أبعد من ذلك في الاخذ بأسباب التحديث والحضارة، ونشرها واشاعتها وتعميمها في أوساط المجتمع الأردني كافة.

ومن انجازات الحكومة في هذا المجال :

توسيع شبكة مياه الشرب في مختلف المحافظات. ولما كانت المياه قوام الحياة، فقد وضعت الحكومة خطتها الخمسية بحيث تصل مياه الشرب الى كل تجمع سكاني في نهاية هذه الخطة، وقامت بتخفيض أسعارها. وتعد الحكومة لموازنة مائية تبني عليها استراتيجية بعيدة المدى لاستخدامات المياه في الأغراض المنزلية والزراعية والصناعية. ويتصل بهذا الجهد، بالرعاية الصحية، تنفيذ العديد من مشروعات الصرف الصحي ومحطات التنقية في المدن الرئيسية للمملكة.

ومن هذه الانجازات :

زيادة الطاقة الكهربائية، وتمديد شبكاتها وخطوطها، وتزويد القاطنين في المدن والغالبية العظمى من سكان الريف بها. وتمت المرحلة الاولى من مشروع محطة العقبة الحرارية، وخفضت الحكومة أسعار الكهرباء للمستهلكين، وخفضت أسعار المحروقات للصناعة التصديرية، لدعم مواقفها التنافسية.

وتواصل حكومتي جهدها الحثيث للتنقيب عن النفط في المملكة، ولقد أدى اكتشاف النفط في منطقة الأزرق، وان كان محدودا، الى اثارة اهتمام عدد من الشركات العالمية للقيام بأعمال التنقيب في الأردن، وتوصلت الحكومة خلال العام الحالي الى عقد اتفاقيتين لهذه الغاية مع شركتين معروفتين، وقد أقرهما مجلسكم الكريم‏.

وسوف تقوم الحكومة أيضا خلال العام القادم بتنفيذ خطوات جدية في استغلال الصخر الزيتي، المتوافر بكميات كبيرة في المملكة، بواسطة تقطيره أو حرقة مباشرة لانتاج الكهرباء، مما يوفر مصادر محلية جديدة لانتاج الطاقة.

ومن انجازات الحكومة أيضا :

التوسع في تركيب المزيد من المقاس الهاتفية الحديثة، وتوفير الخدمة الهاتفية لكثير من المدن والقرى، والعمل مستمر لتزويد ما بقي منها في مختلف المحافظات بالتدريج. ومع توسـيع الشبكات الهاتفية الداخلية، تم فتح العديد من الاتصالات الآلية المباشرة الجديدة مع الدول العربية والأجنبية.

ومن انجازات الحكومة أيضا :

التوسع في مشروعات الاسكان الفردية والجماعية، ولا سيما مشروعات الاسكان، والتطوير الحضري، والاسكان الوظيفي.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ومثلما نحرص على أمن المواطن وكرامته، وعلى توفير الخدمات العامة له، فاننا نحرص أيضا على تحقيق نمو في الدخل القومي، ورفع مستوى المعيشة وزيادة حجم الادخار والاستثمار في المملكة.

وقد أخذ الأردن بالتخطيط العلمي أسلوبا في العمل الجاد على زيادة الدخل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وستطرح حكومتي خطة التنمية للسنوات الخمس القادمة بعد أن استكملت وثائقها، في مؤتمر دولي لتقويمها وكسب التأييد لها. وقد طبقت الحكومة، لاول مرة، أسلوب التخطيط الاقليمي، وأشركت القيادات المحلية في وضع خطط المحافظات والأقاليم لاستكمال الخدمات العامة، والتركيز على المشروعات الانتاجية. وستكون للمشاركة الشعبية في التخطيط والتنفيذ والمتابعة آثارها المحمودة في تحقيق الطموحات والتطلعات. وكذلك من أهم الخطوات المقبلة تأسيس صندوق بنك تنمية المدن والقرى، لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ أكبر قدر من المشروعات الانتاجية بالتعاون مع القطاعين العام والخاص.

ولتحقيق نمو في الدخل القومي بالأسعار الثابتة فان الحكومة ستعمل على ما يلي:

أولا: زيادة الانتاج الزراعي بما يساهم في توفير قدر أكبر من الأمن الغذائي. وفي هذا المجال قامت حكومتي بتطبيق النمط الزراعي المناسب في الأراضي المرويـــة، وزادت في مساحات الأراضي المزروعة, وقامت بتأجير مساحات كبيرة من أراضي الدولة، في المناطق الجنوبية الشـرقية، بأجور رمزية، لشركات القطاع الخاص، بعد أن ثبتت جدوى المشروعات الزراعية الكبيرة في انتاج القمح والحبوب والأعلاف وتربية الثروة الحيوانية، بأساليب علمية متطورة. والحكومة بصدد الانتهاء من توزيع الأراضي القابلة للزراعة على مستحقيها من أبناء البادية. وهي ماضية في تنفيذ المشروعات الزراعية : كتطوير حوض الزرقاء، والأراضي المرتفعة، والتشجير المثمر، والحرجي، ومشروع حوض الحماد الاقليمي العربي، بالاضافة الى السدود التخزينية، وتمديد قناة الغور الشرقية، واستغلال المياه الجوفية في وادي عربة. ويرافق التوسع في مساحة الأرض المزروعة، وتنمية الثروة الحيوانية، عزم أكيد على مكافأة المنتجين الزراعيين، وحفزهم على الاستمرار في الانتاج والعطاء. ولذلك عمدت الحكومة الى دعم المزارع، والالتزام بشراء بعض محاصيله بأسعار تفضيلية، كما عمدت الى تخفيف أعباء المزارعين المقترضين باعادة جدولة أقساط القروض الزراعية على نطاق أوسع ووفق الحاجات الحقيقية، واعفاء المزارعين المقترضين من فوائد هذه القروض لهذا العام.

ثانيا: زيادة الانتاج الصناعي، والتوسع في المدن الصناعية، والحيلولة دون منافسة الصناعة المحلية بالاغراق الوافد من الخارج.

وقد حرصت حكومتي على تصويب أوضاع الشركات الصناعية الرئيسية، التي واجهت مصاعب مالية وفنية وادارية، وذلك من خلال اعادة هيكلة رؤوس أموالها، وجدولة قروضها، وادماج المتماثل منها. كما اتخذت العديد من اجراءات الحماية الاغلاقية أو الجمركية امام السلع المستوردة الشبيهة بالصناعات المحلية المعتمدة، من أجل اعطاء هذه الصناعات متنفسا لتنمو وتقوى، مع المحافظة على مستواها وجودتها، ومواصلة مراقبة أسعارها منعا للاستغلال، وبعد أن تم انجاز مدينة عمان الصناعية فان الحكومة ستباشر بانشاء مدن صناعية في محافظات أخرى بدءا بمحافظة اربد، لتعميم النفع الاقتصادي والاجتماعي على جميع المواطنين في مختلف المواقع.

وجهد حكومتي مستمر في معالجة العجز المزمن في الميزان التجاري الضاغط على احتياطانتا من العملات الأجنبية. فهي تواصل العمل على الحد من الاستيراد المفرط، وخاصة من السلع الكمالية والشبيهة بالمنتوجات المحلية، وعلى زيادة حجم الصادرات من خلال عقد الاتفاقيات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة، ومنح التسهيلات الائتمانية للمصدرين.

وفي الوقت نفسه تعمل حكومتي - بجهد حثيث - على اعادة النظر في العديد من التشريعات القائمة ذات العلاقة المباشرة بالنشاط الاقتصادي، كقانون تشجيع الاستثمار، وأنظمة الاستيراد، من أجل تطويرها وتحديثها بما يتلائم مع مستجدات خطة التنمية ومتطلباتها.

ثالثا: توالي الحكومـة عنايتها بالقطاع السياحي، وبالثروات الأثرية في المملكة واستمرار أعمال المسح والتنقيب وترقيم الآثار وصيانتها، وتشجيع السياحة الداخلية وتحديث وسائل النقل السياحية في المملكة، وبين مواقعها الأثرية والتاريخية الغنية.

رابعا: وفي مجال النقل، تواصل الحكومة الربط بين مناطق المملكة ومواقع السكان والانتاج، باستكمال شبكات الطرق الرئيسية والثانوية والقروية، وزيادة استيعابها، وصيانتها، وتأمين سلامة المرور عليها، وتجديد خط سكة الحديد من مناجم الفوسفات الى ميناء العقبة، لزيادة طاقة النقل، واتمام انشاء محطة ورصيف مستقل لنقل الركاب، وبناء محطة اتصالات ساحلية ذات مستوى عالمي لتأمين مختلف أنواع الاتصالات، وانذارات السفن، ونداءات الاستغاثة، وبث النشرات عن الأحوال الجوية. وفي مجال الطيران المدني، أنجزت الحكومة اقامة مركز المراقبة الجوية والرادارية في اقليم عمان الجوي، وسيتم تزويد مطار العقبة بجهاز رادار أولي وثانوي، بهدف توسيع مجال المراقبة، وتمكين المطار من استقبال الطائرات، في جميع الأوقات، ومهما اختلفت الأحوال الجوية. وأولت الحكومة مؤسسة عالية عناية خاصة، وأنجزت عالية اقامة مركز لصيانة محركات الطائرات واصلاحها، وهو مركز متميز من حيث سعته وامكاناته الفنية، قادر على تلبية حاجات شركات الطيران العربية بالاضافة الى حاجات مؤسسة عالية. وسيتم تحديث أسطول عالية تدريجيا وتوسيع شبكة خطوطها الدولية. وقد قامت حكومتي، بمعالجة قطاع النقل البري، وحلت أكثر مشكلاته الاساسية.

خامسا: وقد أولت الحكومة قطاع الانشاءات عناية خاصة - بسبب ما له من مكانة في التنمية والعمران - واعطت المقاول الأردني والمستشار الهندسي المحلي الأولوية في تصميم المشروعات الانشائية وتنفيذها. وستنجز الحكومة اصدار دستور البناء، وأحالت على مجلسكم الكريم مشروع قانون مقاولي الانشاءات، لتنظيم هذا القطاع ودعمه.

لقد كان هذا العـام حافلا بألوان النشاط المتميز على كل الأصعدة, في كل مجالات العمل والبناء. وقد حرصت حكومتي على توزيع جهدها توزيعا عادلا بين جميع القطاعات، انطلاقا من نظرتها الى أن الاقتصاد الوطني جسد واحد لا بد من تجانس شكله ونموه ليعطي لهذا البلد الحر الكريم صورته المشرقة الوضاءة.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية السائدة ، في ظل ظروف الكساد الحالي، تركت آثارا سلبية واضحة المعالم، عميقة الجذور : على التجارة الدولية، وأسعار المواد الخام، وسوق النفط، وأسعار صرف العملات، الأمر الذي عمق التحديات الاقتصادية التي تواجه أغلب دول العالم ولا سيما الدول النامية. ووسط هذه الأجواء الاقتصادية الملبدة بسحب الغموض والاختلالات، استطعنا - بحمد الله - أن نتعامل مع تيارات الاحداث السلبية بثقة ومرونة وفاعلية، فتجاوزنا الكثير من الصدمات، مع بقاء المؤشرات الاقتصادية الأساسية في مساقاتها الطبيعية التاريخية.

ان حكومتي تدرك تمام الادراك انعكاسات الأحدات الاقتصادية الاقليمية والدولية - المتلاحقة والمتجددة - على الاقتصـاد الأردني بحكـم هذا الموقع الجغرافي الوسط، وبحكم الانفتاح على العالم والعلاقات الوثيقة مع الخارج، وتتابع عن كثب سير الأمور وتراقبها من أجل تحقيق أعلى درجة من التكيف في مواجهة الأزمات الطارئة، وتهيئة المناخ المناسب لاستئناف المسيرة التنموية في البناء والتقدم. لقد ثبت لنا بالتجربة أن المنهج الاقتصادي الذي رسمناه لأنفسنا، والقائـم على : الحرية المنظمة، والمبادرة الفردية، والمنافسة المتكافئة، هو النبراس الذي ينير الطريق أمام الطمواحات الأردنية الكبيرة. وقد اتخذت حكومتي سلسلة متنافسة من القرارات والتوجهات والاجراءات، لتعزيز هذا النهج السليم، مستندة الى الثوابت والمرتكزات الأساسية التي اكسبتنا خلال السنين الطويلة ثقة بهيكل اقتصادنا الوطني لا تتزعزع.

وقد سعت حكومتي، منذ اليوم الأول لتسلمها مسؤولياتها، الى ايجاد حلقات الربط والوصل بين فعاليات القطاعين العام والخاص، من أجل تكامل ادوارها تكاملا واضحا متجانسا. فعملت على تعميق دور القطاع الخاص في عمليات الانتاج والبناء، وفتحت أمام هذا القطاع كل الآفاق الاستثمارية الممكنة، بما في ذلك المشاركة في ملكية بعض مؤسسات القطاع العام وادارتها بعد تحويلها الى شركات مساهمة عامة تزيد من فرص تقديم الخدمات للمواطنين بيسر وسهولة دون أن تقيدها الاجراءات المعقدة. وقد شكلت الحكومة مجلسا اقتصاديا استشاريا ليكون منبرا من منابر الحوار وتبادل الرأي بين أعضاء الاسرة الواحدة في القطاعين العام والخاص، ليكون وسيلة من وسائل المشاركة في صنع القرار.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان أهم ما تعنى به حكومتي اليوم معالجة الظواهر الجديدة التي اخذت تشق طريقها الى سوق العمل، محدثة بطالة هيكلية تنبع في الأساس من الزيادة الكبيرة في معدلات نمو عرض القوى العاملة التي تزيد على معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات نمو السكان، ومن عدم التوافق بين أعداد الخريجين من الجامعات وكليات المجتمع والمعاهد، وبين فرص العمل المتاحة باختلاف درجاتها، وما يتصل بذلك من عدم الاقبال النسبي على بعض المهن. ويزيد من حدة ظاهرة البطالة : التطورات الاقتصادية الاقليمية السلبية التي أصبحت تضغط على سوق العمل الأردني. ومن أجل هذا ألفـت حكومتي لجنة وزارية ضمت الوزارات والمؤسسات والدوائر المختصة لبحث الوسائل لتوفير فـرص عمـل جديدة لطالبي الاستخدام من الخريجين ومعالجة هذا الموضوع معالجة فعالة.

وقد حرصت الخطة الخمسية على التصدي لمشكلة البطالة من خلال ايجاد فرص العمل الكفيلة بالتقليل من معدلات البطالة ما أمكن، ومن خلال أعداد القوى العاملة الوافدة الى سوق العمل اعدادا يتناسب مع متطلبات التنمية. وهنا لا بد من الاشارة الى جهود الحكومة في مجال التدريب المهني، اذ أقامت ثمانية مراكز جديدة للتدريب المهني بلغ استيعابها أكثر من ثلاثة آلاف متدرب، وستقوم بانشاء مراكز أخرى ليصل استيعابها الى خمسة آلاف متدرب.

وحرصا من حكومتي على رعاية العاملين الأردنيين في الخارج، فقد استجابت لمطالبهم وتوصياتهم المتخذة في مؤتمريهم الأول والثاني ومنها توسيع مظلة الضمان الاجتماعي لتشمل أبناءنا المغتربين.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان نجاح خدماتنا ومشروعاتنا الاقتصادية والاجتماعية، منوط بما نوفره لها من ادارات سليمة وقيادات حكيمة ومعلومات قويمة، مع اعطاء أهمية أكبر للحكم المحلي واللامركزي والمهمات الميدانية. وقد أعادت الحكومة تشكيل اللجنة الملكية للتطوير الاداري، وقطعت هذه اللجنة أشواطا طويلة في دراسة الأجهزة الادارية والتشريعات التي تنظم صلاحياتها ومسؤولياتها.

ولا شك أن البلديات ركن أساسي في الحكم المحلي، وقد تم اعداد خطة لتنمية البلديات والمجالس القروية في السنوات الخمس القادمة، آخذة بعين الاعتبار الزيادة الملموسة في الطلب على الخدمات البلدية، وتناقص الايرادات في النفقات المستحقة. وقد عمدت حكومتي الى تعديل قانون البلديات لمواجهة التغييرات والتطورات التي نجمت عن التوسع في الحدود البلدية، ولا سيما مدينة عمان والازدواجية في المسؤولية. وفي النية تشكيل " مجلس أمانة عمان الكبرى " من أمين العاصمة ورؤساء البلديات في المدن المحيطة بها، لضمان وحدة التخطيط والتنظيم والادارة الرقابة وتنفيذ المشروعات المشتركة، خلال مرحلة انتقالية تعود البلديات بعد انتهائها، الى ممارسة أدوارها، في اطار اللامركزية المعتمدة.

وتستلزم عملية التطوير الاداري، وضع نظام وطني للمعلومات، وتزويده بحاسب الكتروني كبير، وتأسيس جهاز المتابعة لتنفيذ الخدمات والمشاريع، واعداد قيادات تضمن لنا الأداء الناجع بأسرع وقت وأقل كلفة. ويصدق هذا على القطاع العام والقطاع الخاص معا.

ليس التطوير الاداري ترياقا نستورده من الخارج وانما هو جهد جاد مثابر يشترك فيه المواطن والمسؤول. ومن حسن الحظ أن صانعي القرار، في القطاعين العام والخاص، هم من أبناء هذا الشعب والمؤمنين بقيمه وأهدافه. وهم على مستوى عال من من التخصص والخبرة، قادرون على الارتفاع بمستوى أدائهم. وليس هناك نظام اداري لا يقبل التطوير أو الاصلاح، وسيبقى هدفنا مراقبة الأداء وتقديم الخدمة والحرص على نظافة اليد، والمحاسبة على الخطأ، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

ونحن بحاجة الى اعلام متطور، ونظرا لأهمية المؤسسات الاعلامية، فقد حرصت حكومتي على تطوير هذه المؤسسات، وتحديث أجهزتها وكوادرها وبرامجها، وباشرت في تنفيذ مشروع متكامل لشبكات اذاعية جديدة، تكفل تغطية جميع أنحاء العالم على الموجات المختلفة.

وفي ميدان الصحافة، فقد تم تطويرها من الناحية التنظيمية على قاعدة أوسع، بتحويلها من الملكية الشخصية الى شركات مساهمة عامة.

أما من ناحية السياق الذي تعمل فيه، فقد أكدت حكومتي توجه الدولة العام الملتزم بأحكام الدستور، والمتمثل في منح الصحافة حرية التعبير في اطار القانون. والحرية التي نتمسك بها ونرعاها هي الحرية المسؤولة. الحرية التي لا تهدد الأمن الوطني للدولة، ولا تجهض سياسات الدولة في مختلف المجالات، بل تناقشها من خلال الحرص على المصلحة الوطنية العامة وتحقيق الأفضل الممكن. وهي ذات الحرية التي يفهمها العالم الديمقراطي الذي يحلو للبعض أن يشير الى تجربته، كلما أثير موضوع حرية التعبير، ويبدو أن هذا البعض ينسى، أو يجهل، أن حرية الصحافة في الديمقراطيات الغربية لها سقف لا تتجاوزه، وهو السقف ذاته الذي نذكر به دائما : سـقف الأمن الوطني والصلحة القومية العليا. ومن الطبيعي أن يكون لظروف كل بلد أثر في تحديد ارتفاع ذلك السقف. والا فستتحول حرية التعبير الى حرية التخريب، وتتحول المسؤولية الى فوضى، والتعددية في الرأي الى تضارب في الاتجاهات على حساب المصلحة الوطنية.

ان الحرية التي نقدسها ونرعاها في الأردن هي الحرية المستمدة من حـس الشعب بعمق مسؤوليته تجاه وطنه وأمته، ومن تقليد المشاركة الراسخ الذي أسسناه منذ تحملنا أمانة المسؤولية : بضمان بقاء جميع الأبواب مفتوحة بين الشعب وسائر المؤسسات، وبين مؤسسة وأخرى، وبين أفراد الشعب والمؤسسات، وبيني شخصيا. ان هذا التقليد الذي نجل ونحترم هو الذي يجعلنا نشرح على الدوام منطلقات سياستنا وأبعادها وأهدافها للشعب مباشرة، أو من خلال المعنيين مهنيا واجتماعيا بالتعامل بالشؤون العامة على اختلاف مواقعهم.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

أما القضية التي تشكل محور سياستنا ومركز اهتمامنا فهي القضية الفلسطينية، همنا وهاجسنا، والتي هي جزء منا مثلما نحن جزء منها. فنحن والشعب الفلسطيني نسبح معا في تيار تاريخي واحد، شئنا ذلك أم أبينا، وسنواصل الابحار معا، الى أن نصل الى بر الأمان والتحرير باذن الله، مهما تقول المتقولون وشكك المشككون.

اننا ونحن نواجه قبل غيرنا - وأكثر من غيرنا - مأساة الاحتلال الاسرائيلي ومضاعفاته للضفة الغربية وقطاع غزة، لا نرى في مواجهتنا هذه امتيازا على أحد، ولا مجالا للمن على الآخرين، ولا سبيلا للاستئثار غنيمة ولا وسيلة لتحقيق مطمع.

انـه واجـب وطني نؤديه عن رضا، على صعوبته، وأمانة قومية نلتزم بها، على ثقلها، ومسؤوليه تاريخية نحملها طواعية، على عظمها، فحقوق الشعب الفلسطيني حية في العقل والضمير، وهدف انقاذ الأرض والمقدسات مستقر في الخاطر والفؤاد.

ان قضية، هذا هو ارتباطنا بها، لا بد أن تنعكس على كل مجالات حياتنا، وتشيع في نسيج تخطيطنا وتدبيرنا، وتحدد معايير علاقاتنا وسياساتنا العربية والدولية.

وحينما خاطبتكم في افتتاح الدورة البرلمانية المنتهية، كنا في غمرة تحركنا السياسي على أساس اتفاق الحادي عشر من شباط ومقررات قمة فاس، لبلورة مفهوم مؤتمر دولي يعقد من أجل السلام في الشرق الاوسط. وقد استمر التحرك في الاطار العربي والدولي حتى شباط الماضي، حينما اصطدم جهد حكومتي بموقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، من قرار مجلس الامن 242، الذي كنا قد اتفقنا معها على اعتمادة أساسا لعقد المؤتمر الدولي.‏ولان هذا الموقف أدى الى انهاء مرحلة هامة، وجادة، من مراحل العمل السياسي الأردني - الفلطسيني، فقد كان لا بد من شرح كل ما حدث وبيان موقفنا منه. وقد فعلت ذلك في الخطاب الذي وجهته للأمـة في التاسع من شباط الماضي، اذ قدمت في ذلك الخطاب تقريرا تفصيليا عن كل ما حدث، وتحليلا ضافيا لواقع القضية الفلسطينية، ونظرتنا لأبعادها المختلفة، وتطوراتها المحتملة، وقرارنا بوقف التنسيق مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

ومن الطبيعي ان لا يؤثر قرارنا : بوقف التنسيق مع قيادة المنظمة، على موقفنا من المنظمة باعتبارها المؤسسة الفلسطينية التي تمثل الشعب الفلسطيني، كما لم يؤثر القـرار على علاقتنا العضـوية بالقضية الفلسطينية، أو على التزامنا بالعمل من أجلها، تحريرا للأرض والأهل، ونضالا من أجل اسـتعادة حقوقهم الوطنية المشروعة.

وبذلك واصلت حكومتي التحرك السياسي والدبلوماسي وفق الثوابت التي تحكم موقفنا من العمل في الاطار الفلسطيني. ودرءا للشبهات التي تنمو وتتوالد عادة في أجواء تعدد الاجتهادات أو الخلافات، فانني أجد من المفيد أن أعيد تأكيد الثوابت المتمثلة فيما يلي :

  1. ان الأردن ليس وكيلا عن الشعب الفلسطيني، ولا يقبل أن يكون كذلك.
  2. ان الاردن ليس بديلا عن منظمة التحريـر الفلسـطينية الممثـل الشـرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولن يكون كذلك.
  3. ان الأردن ملتزم بقرارات القمم العربية، وبخاصة قرارات قمتي الرباط وفاس لعامي 1974 و 1982.
  4. ان سبيل التسوية السلمية هو في انعقاد مؤتمر دولي للسلام على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338، تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، مع سائر أطراف النزاع بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية.
  5. ان الأردن مع ذلك - بحكم صلتــه المباشرة بالأرض الفلسطينية المحتلة ومسؤوليته القومية - سيظل يقوم بدور الداعم والمساند للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، في حدود امكانياته، وبما لا يتعارض مع أمنه الوطني، الذي هو جزء لا يتجزأ من أمن أمتنا القومي.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

على أساس هذه الثوابت، واصلت حكومتي تحركها السياسي والدبلوماسي في الاطارين العربي والدولي، توخيا لتحقيق الهدف الذي أجمعت عليه أمتنا العربية، وهو الوصول الى سلام شامل و عادل، دائم، يضمن انسحاب اسرئيل من سائر الأراضي العربية المحتلة، كما يضمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، فلا جمود ولا انفراد.

وأخطـر مـن الأمـر الواقـع، توفير مقوماتـه. ولعل من أهم مقومات هذا الأمر الواقع، ان يتخذ صاحب الشـأن المعني، موقع المتفرج غير المعني بما يجري، مكتفيا بالتعبير عن الأسـس واصدار الأحكام في انتظار ما ستحمله الأيام.

ان الـرد الوحيـد الناجح على مثل هذا المزاج السلبي، هو التحرك والبناء معا : التحرك في مختلف الميادين، والبناء في مختلف المجالات.

ان التحرك السياسي المستند الى وضوح الرؤية في التمييز بين الثوابت والمتغيرات هو وحده الكفيل بمواكبة ما يجري في هذا العالم، وهو السبيل الى رصد المتغيرات والمنافذ، وتحديد امكانيات الاستفادة منها، وتوظيفها لخدمة الهدف، وبغيره تضيع الفرص، ويترسخ الأمر الواقع الذي نشكو منه ونتذمر. ولنتذكر دائما أن الآخرين يدأبون على التحرك وفق هذه البديهية، فلهم أيضا مصالح يخدمونها واهتمامات يرعونها، واذا لم نقابل تحركهم بتحرك مقابل، فان العلاقة بين طرفي المعادلة السياسية ستختل، لصالح الطرف المتحرك، على حساب الطرف الساكن، ولا يكفي اذن، أن نتخذ على الدوام موقع المتلقي، اذ لا بد من المبادرة ولا بد من المتابعة.

هذا هو مفهومنا عن أهمية التحرك السياسي الذي على أساسـه عملت حكومتي وستظل تعمل.

ففي الدورة المنتهية، قامت حكومتي بالتحرك على محورين:

أولهما: كان باتجاه تعبئة الجهد العربي والدولي نحو بلورة تصور واضح وموحد لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن مع سائر أطراف النزاع، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية.

وثانيهما: كان باتجاه تطوير الوسائل والسبل لدعم ثبات الشعب الفلسطيني على أرضـه الفلسطينية المحتلة.

لقد تمكنت حكومتي على صعيد المحور الأول أن تبعث الاهتمام من جديد في المؤتمر الدولي. فبعد سبات دام نحو تسع سنوات بحث المؤتمر الدولي اليوم الموضوع الذي تتركز حوله الجهود السياسية والاتصالات الدبلوماسية، وغـدا العنوان المقبول، لحل أزمــة الشرق الأوسط حلا شــاملا وعــادلا. وستواصل حكومتي مسـاعيها لبلورة تصور واحد يقبل به الفرقاء المعنيون : سواء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو أطراف النزاع.

لقد طرح الأردن في العام الماضي - كما تذكرون - عقد مؤتمر دولي تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن، مع سائر أطراف النزاع، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وكان موقف بعض الدول المعنية من عقد المؤتمر سلبيا، وفي مقدمة تلك الدول : الولايات المتحدة، الا أن هذا الموقف الامريكي تطور، فوافقت امريكا على مبدأ عقد المؤتمر بعد أن يتم الاتفاق على بعض النقاط المتعلقة بعقد المؤتمر وأسلوب عمله وصلاحياته والمشاركين فيه. وكان موقف الاتحاد السوفياتي يقوم على قصر المشاركة على الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، بالاضافة الى أطراف النزاع، غير أن الاتحاد السوفياتي وافق مؤخرا على الاشتراك في مؤتمر دولي تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالاضافة الى أطراف النزاع. واقترح تشكيل لجنة تحضيرية من الدول الخمس الدائمة العضوية تعد لعقد المؤتمر. وأيدت فرنسا الاقتراح. وفي الوقت الحاضر يدور البحث حول موضوع اللجنة التحضيرية وتقدمت بعض الدول والأطراف المعنية بتصوراتها حول هذا الأمر. فاقترحت احداها أن تشكل اللجنة من الدول الخمس والدول المعنية، في حين اقترحت الأخرى أن تشكل اللجنة من الدول المعنية على ان تحضر اجتماعات اللجنة الدول الخمس بصفة مراقبين، واقترحت رابعة أن تتشكل اللجنة من الدول الخمس ويكون فيها أطراف النزاع بصفة مراقبين. واقترح أحد أطراف النزاع تشكيل اللجنة من أطراف النزاع فقط.

وازاء هذا الوضع، كان لا بد من التعبير عن رأينا من خلال اتصالاتنا بالدول العربية المعنية والدول الصديقة، وقلنا لهم : انه اذا كان من الممكن تشكيل اللجنة التحضيرية من الأعضاء الواجبة مشاركتهم في المؤتمر الدولي، أي أطراف النزاع مع أعضاء الدول الخمس، فلماذا لا يذهب الجميع الى المؤتمر مباشرة دون لجنة تحضيرية؟ اما اذا ارتؤى ضرورة الاعداد، فاننا نؤيد فكرة الاتحاد السوفييتي عقد اللجنة التحضيرية من أعضاء الدول الخمس فقط.

وبمعنى آخر، فان البحث الآن تجاوز موضوع عقد المؤتمر الذي يتجه الاجماع نحوه الى البحث في كيفية الاعـداد له. وأملنـا أن ينتهي البحث حول هذا الموضوع لنركز على عقد المؤتمر الدولي نفسـه. وقـد اتصلت حكومتي مع دول المجموعة الاوروبية لاستطلاع امكانية قيامها بمبادرات تقرب بين وجهتي النظر السوفييتية والامريكية في هذا الصدد، وما زالت هذه الاتصالات مستمرة.

أما على صعيد المحور الثاني، محور تطوير السبل والأساليب لدعم أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد وضعت حكومتي خطة لتنمية الأرض الفلسطينية المحتلة، معتمدة - في أصلها - على الاستراتيجية التي حددها مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد سنة 1978. وقد جاءت هذه الخطوة مستفيدة من تقييم التجربة السابقة في دعم الصمود، التي استمرت أكثر من تسعة عشر عاما حتى الآن. وتعلمون - أيها السادة الأعيان والنواب - ان دعم الصمود هو المجال الوحيد المفتوح أمامنا في واقع اللاحرب واللاسلم من أجل تثبيت الهوية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية باعتبارها الحقيقة المركزية التي نستند اليها في شرعية نضالنا لاستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وهي الحقيقة التي أجمعت عليها جميع الدول العربية، وقررت على أساسها تأييد هذه السياسـة التي تبناها الأردن منذ حرب 1967، وبرمجتها، ورصد الأموال لها. وليكن واضحا أن دعم الصمود ليس بديلا عن الحل الشامل العادل، ولا يمكن أن يكون كذلك. ولعلكم تذكرون ما قلته في خطاب افتتاح الدورة المنتهية، حينما حذرت من تدهور الاوضاع في الأرض المحتلة، ومن الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية برمتها، اذا ترك الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، يذوى ويتحلل في تكوينه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ودعوت الى عقد اجتماع عربي على وجه السرعة، للنظر في الأوضاع الخطيرة، بما تستحقه من اهتمام وعناية بالغين. ولكن ذلك الاجتماع لم يتحقق، كما لم يعد بعض الأشقاء الى الوفاء بالتزاماتهم لصندوق دعم الصمود. وبسبب ذلك وعلى ضوء تقييم التجربة السابقة في أسلوب دعم الصمود ارتأت حكومتي ضرورة وضع خطة تنمية شاملة للضفة الغربية وقطاع غزة. ففي السابق كان الأسلوب المتبع هو الاستجابة لطلبات الأفراد والمؤسسات والجمعيات في حدود امكانيات الصندوق. وقد اتضح أن هذا الأسلوب قاصر، وغير كاف، لأنه يتناول الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة في صورة مبعثرة مفتتة، بدل أن يتناوله كلا واحدا متكاملا من خلال نظرة شاملة، وكان هذا الأسلوب يجعل من دعم الصمود مفهوما أقرب الى الاحسان منه الى تقوية بنية الكيان الفلسطيني وشخصية شعبه، فكان لا بد من تصويب النظرة والطريقة، كي ينسجم العمل مع الشعار.

وبالرغم من صحة هذه النظرة وصدق التوجه وسلامة الأسلوب، فان الأمر لم يخل من صدور أصوات التشكيك من هنا وهناك، ولم نفاجأ بهذه الأصوات، اذ ان بعضها صدر عن الذين جعلوا من الاحتلال مصدر ارتزاق، مثلما صدر بعضها عن الذين اتقنوا فن تغيير المواقف بتغير الواقع، كما صدر بعضها الآخر عن الذين يرتاحون لرفع الشعارات ولا عمل. ونود أن نقول لهؤلاء جميعا أن دوافعهم مكشوفة، وأن أصواتهم الشاذة لن تثنينا عن المضي في تحمل مسؤولياتنا القومية بدعم صمود أهلنا الثابتين على أرض وطنهم، المجسدين للهوية العربية الفلسطينية بالفعل لا بالمزاعم والادعاء.

ايها السادة الأعيان، ايها السادة النـواب،

وعلى الصعيد العربي، واصـلت حكومتـي فتـح الأبـواب والنوافذ مع مختلف الدول العربية الشقيقة، ايمانا منها بضرورة تعميم الحوار وصولا الى وضع يمكن من استعادة التضامن العربي واحياء العمل العربي المشترك. وقد توصلنا - بحمد الله وبتعاون الأخوة القادة العرب - الى انعاش العلاقات الثنائية وتطويرها مع كل دولة عربية على حدة. وتشكلت مع كل من المملكة العربية السعودية وسوريا والعراق ومصر والكويت وعمان والبحرين والمغرب وتونس، لجان حكومية مشتركة، تجتمع بانتظام دوريا للبحث والتداول واتخاذ القرارات، فيما يسهم في خدمة المصالح المشتركة. وأملنا أن تتطور العلاقات الثنائية تطورا يؤدي الى تفاهم جماعي، يعيد منهج التضامن العربي الى مكانته وموقعه، فالعلاقات الثنائية - على ايجابيتها - لا يمكن ان تكون بديلا عن العمل العربي الجماعي. فنحن ننسق مع الشقيقة المملكة العربية السعودية في كل ما يهم أمتنا وبلدينا، ونحن نشكرها بقيادة عاهلها الأخ جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، على دعمها المستمر ووفائها بالتزاماتها نحونا. وأود في هذا المجال أن أبعث بالشكر والتقدير الى الدول العربية الشقيقة أعضاء مجلس التعاون الخليجي التي تواصل الاسهام في دعم الصمود الأردني الذي يمثل الخط العربي المتقدم الاول. وكذلك، فاننا ننسق ونتعاون مع جمهورية مصر العربية، من خلال لقاءاتي مع قائدها العربي الأصيل - سيادة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك - في اجتماعات تتناول القضايا العربية العامة والرئيسية. كما ننسق ونتعاون مع الجمهورية العربية السورية - من خلال سيادة الأخ الرئيس حافظ الأسد - في ما يتصل بالشؤون والقضايا العربية العامة، وبخاصة حول موقفنا المشترك من متطلبات السلام والمؤتمر الدولي. وننسق ونتعاون مع الجمهورية العراقية - من خلال سيادة الأخ الرئيس صدام حسين - وبخاصة في ما يتعلق بدعم موقف العراق العادل على الساحة الدولية، سواء في دفاعه عن وطنه، أو في دعوته المخلصة للسلام.

ولا بد لي في هذا الصدد، ومن على هذا المنبر، أن أؤكد من جديد دعمنا للعراق الشقيق، من منطلق التزامنا بالمواثيق العربية، وأهم من ذلك من منطلق وعينا على مضاعفات الحرب العدوانية التي تصر ايران على مواصلتها ضد العراق. فالحالة التي أمامنا - أيها الأخوة - ليست مجرد حرب عراقية - ايرانية، بل هي أكبر من ذلك وأخطر. ان هذه الحرب العداونية كما نراها، لا تقتصر في تهديدها على العراق، بل تتجاوزه الى تهديد الكيان القومي العربي بأكمله، وهو الكيان المجسد بنظام عربي يسود الوطن الكبير من محيطه الى خليجه، هذا النظام الذي نبتت بذوره في مطلع هذا القرن، حينما اسـتفاق أجدادنا ليـروا أمامهم خطر طمس شخصيتهم القومية فناضلوا واستشهدوا، ووقعوا ضحية مؤامرات الاستعمار منذ الحرب العالمية الأولى. لكنهم مع ذلك، واصلوا نضالهم من أجل الاستقلال، وأسسوا جامعتهم العربية لترمز الى هذا النظام العربي المتكامل المتطلع الى وحدة أمة العرب، كي يستكمل شكله وبنيته على أساس مضمونه الراسخ في الروح وفي الوجدان، وفي التاريخ والنضال. ان هذا الكيان - أيها الأخوة - مهدد من جذوره، فاما أن نكون صادقين مع ذاتنا، وأوفياء لشهدائنا واجدادنا، وامناء على مستقبل أجيالنا، واما أن لا نكـون. ومن منـا يقبـل - لا قدر اللـه - أن يذيب ذاته، ويطمس شخصيته، ويقع من جديد في براثن استعمار سيظل بشعا ومرفوضا، وممقوتا، مهما يتخذ لنفسه من لبوس. ان حماية النظام العربي لا يعنـي فقط حماية وطن العرب من أعداء العرب، بل يعني أيضا صون الشخصية العربية من محاولات النيل منها، بطمس شيم العرب، وتشويه شمائلهم الأصيلة.

اننا نشهد هذه الأيام ظواهر مسلكية شاذة صادرة عن الغوغائية، وممارسات مشينة ممثلة بالارهاب، تسيء لأمتنا الماجدة وقيمها النبيلة، وصورتها المشرقة، التي نقشتها في صحائف التاريخ سمو أخلاق أجدادنا وبطولاتهم واسهاماتهم المجيدة في حضارة الانسان. فالغوغائية لا يمكن أن تكون أساسا قويما للوطنية والقومية، لأنها ببساطة تتنافى مع المسؤولية ومع العقلانية. والارهاب ليس بديلا عن النضال المشروع، لأنه وببساطة صادر عن الجبن والعجز. ونحن اذ نؤكد بكل العزم على ضرورة وحدة التوجه والعمل العربيين لاسترداد حقوق العرب وحماية وطنهم، لنؤكد بكل الحزم على ادانتنا للغوغائية والارهاب مهما كان نوعه ومصدره وشكله.

اننا عرب، وسنظل عربا، وسنحارب من أجل عروبتنا، من أجل النظام العربي، الذي ارتضيناه، كما ارتضاه أجدادنا، ليكون طريقنا في الحياة، وليحدد مسارنا بين الأمم وعلى امتداد الزمان.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

في ختام حديثي اليكم، أبتهل الى المولى عز وجل أن يكلأ جهودكم بعين رعايته، وأن يوفقكم لما فيه خير بلدكم وأمتكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،