مجلس الأمة
نسخة للطباعة

الحسين بن طلال

خطاب العرش

فـــي

افتتاح الدورة العادية الثانية

لمجلس الأمة الأردني العاشر



في يوم الاثنين
الواقع في 6 محرم 1405 هجرية
الموافق 1 تشرين أول سنة 1984 ميلادية

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

على بركة الله نفتتح هذه الدورة العادية لمجلسكم الكريم في ميعادها الدستوري، شاكرين الله جلت قدرته الذي جعل من وطننا رمزا للتجربة العربية الناجحة المرتكزة على التراث الحي والمتفاعلة مع التطور المنفتح والمزودة بالارادة الحرة.

ويسرنا ان نهنىء الأخوة الذين فازوا في الانتخابات التكميلية الأخيرة، فانتظم بذلك العقد واستؤنفت المسيرة الدستورية التي حرصنا ومنذ استلام مسؤولياتنا على حمايتها وصونها عبر كل الظروف، ونحن على ثقة تامة بان شعبنا العزيز بما جبل عليه من محبة، وما فطر عليه من وفاء لقيم الأمة وآمالها وتطلعاتها، يرقب هذه المسيرة التي نتوقع منها جميعا أن تعزز الاستمرارية وتدعم الصمود، وأن تساعد على حشد الطاقات، وتعمل على تمتين النسيج الوطني للمجتمع وتصهره في بوتقة العمل النافع المنتج، بروح الوطنية المخلصة الواعية، وفي اطار الوعي القومي.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

في الدورة السابقة لمجلسكم الكريم، واصلت حكومتي التخطيط والعمل على مختلف الأصعدة وفي سائر الجبهات الداخلية والعربية والدولية، مستهدية بالمبادىء التي آمن بها شعبنا وبمقتضيات مصالحنا وامننا الوطني والقومي، ومستنيرة بنتائج تحليلنا للواقع المتشكل بتفاعل الثوابت والمتغيرات، اقليميا ودوليا.

فعلى صعيد المســـألة الفلسطينية، اســتمر الحوار الأردنــي - الفلسطيني، على أساس ايمان الاردن بمبدأ استقلال القرار الفلسطيني، وضرورة حمايته، وبالالتزام بمنهج التشاور حول المستجدات لصالح القضية الفلسطينية. كما واصلت حكومتي تصديها لصور العدوان الاسرائيلي المستمر على الأرض العربية المحتلة، والعمل على احباط نتائج الاجراءات التي يمارسها العدو المحتل بهدف طمس معالم عروبتها وتغيير واقعها وتهجير أصحابها الشرعيين، ومن هنا استمرت حكومتي في اداء واجبها في تثبيت الأهل وتيسير امورهــم ودعم مؤسساتهم بكل الوسائل الممكنة وضمن الامكانات المتاحة، وبالرغم من الظرف غير العادي الذ نجتاز، كما واصلت العمل مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن خلال اللجنة الأردنية - الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني على قلة موارد هذه اللجنة نتيجة لتخلف بعض الدول العربية عن الوفاء بالتزاماتها الذي نأمل الا يطول لما ينطوي عليه ذلك من اخطار ومضار لا تخفى على احد.

أما الساحة العربية، فيحزننا أن نراها تتلوى ألما في حالة من تمزق الصــف وتشتيت الرأي، وتضارب الرؤيــة، وانتشار الضعف العــام فــي أوصالها.

لقد حمل الأردن منذ نشأته الحديثة، رسالة عامة شاملة للعرب أجمعين،هي رسالة الثورة العربية الكبرى، رســالة الحرية والوحدة القومية. وشعب الأردن كجزء لا يتجزأ من أمته العربية، كان وسيبقى ملتزما بآمال أمته منفعلا بالآمها، مجاهدا معها لبلوغ غاياتها ودرء الأخطار عنها، مثلما هـــو متشبث بوحدته الوطنية، متمسك بمرتكزات سيرته الانمائية. ولسوف يواصل الأردن طريقه هذا الذي ارتضاه بايمان لا يعرف النكوص، وبهمة لا تعرف الفتور، وصولا لموقف عربي قومي موحد، وتضامن راسخ يصون كرامة الأمة ويحشد جهودها وطاقاتها، ويكافح أسباب المرض في بنيتها، مما يوفر لها المناعة والقدرة على مواجهة مخططات أعدائها، ورفع الأذى والاحتلال عن ارضها، وتحرير مقدساتها.

وانطلاقا من هذه المفاهيم الثابتة، واصلت حكومتي تأييدها للعراق الشقيق في حربه العادلة لدرء العدوان عن أرضه العربية، ودعمها له في دعوته الصادقة لوقف هذه الحرب، تمهيدا للتوصل الى تسوية عادلة للخلاف القائم بينه وبين ايران، واقامة علاقات متوازنة معها، تقوم على مبادىء التعايش وحسن الجوار. وان حكومتي وهي ترى في صمود العراق الرائع في وجه العدوان الايراني، ودعوته الحقة للسلام من موقع القوة، قبسا من نور في عتمة التردى والتفسخ، ليؤسفها ان ترى ايران الاسلامية تتمادى في التعنت والعدوان، فتحاول توسيع مسرح التوتر ليشمل الخليج والبحر الأحمر. وقناعة منا بان هذه المحاولة، ما هي الا تعبير عن نزعة النظام الايراني للهيمنة ودعوة لتدويل الصراع، فقد بادرت حكومتي بالاتصال بكل الدول الشقيقة المتأثرة بهذا التوجه، مبديـــة استعدادها للاسهام بالواجب القومي، وبتقديم أي مساعدة ممكنة يطلبها الأشقاء. كما سارعت في تلبية الدعوة التي تلقتها بصفتها دولة مطلة على البحر الأحمر لعقد اجتماع يكرس للبحث فـــي كيفية حمايته كممر دولي من اعمال التخريب ومن الهيمنة الأجنبية. ان تمادي النظام الايراني، ما كان ليأخذ هذه الأبعاد، لو أنه جوبه منذ البدء بموقف عربي موحد يعمل على لجمه وتعقيله.

أما في لبنان، فقد أبدت حكومتي كل الجهود التي بذلت وتبذل لاخراج المحتلين الاسرائيليين من أرضه، وانها وهي تحيي صمود الشعب اللبناني في جنوبه المحتل، ومقاومته الباسلة للقوات الاسرائيلية الغازية، لتتمنى للحكومة اللبنانية ولسائر فئات الشعب اللبناني التوفيق والنجاح في سعيهم لاستعادة وحدة لبنان الوطنية وسيادته على كامل ترابه. ولبنان النازف، هو الآخر شاهد على حالة التمزق التي تعيشها أمتنا.

وازاء هذا الواقع العربي الذي يشهد أشكالا مختلفة من العدوان الأجنبي، ما فتئت حكومتي تعمل على ايقاظ الأحاسيس القومية للحيلولة دون اتساع الخرق في الجسم العربي، كما واصلت دعوتها ومساعيها للمساعدة على عقد مؤتمر القمة العربي المرتقب كي يعالج على أعلى مستوى، سائر الخلافات العربية ويضع حدا لها، ويمهد الطريق أمام توظيف عناصر القوة الذاتية في خدمة القضايا القومية في اطار استراتيجية عربية مؤهلة لكبح العدوان واحباط المؤامرات، قبل أن يتعذر درؤها.

والأردن اذ يرى أن التمزق العربي، وضمور الروح القومية، هما السبب المباشر لهذا الوضع الذي تردت اليه أحوال المنطقة، ولهذه المواقف الدولية التي أحالت اهمية موقعنا الاستراتيجي، وثقل امكاناتنا البشرية والمادية الى سخرية مريرة، ليؤمن بأن مقياس العمل القومي، هو في الالتزام بميثاق الجامعة العربية لا في انتهاكه، وفي احياء معاهدة الدفاع العربي المشترك، لا في اغتيالها، وهو كذلك في مدى إسهام أي طرف في دفن الخلاف واقتلاع أسبابه ووقف التداعي في الجسم العربي وانهاء الشلل المستقر في أوصاله، وعليه، لا يمكن أن يكون الاصرار على ابقاء الشقيقة الكبرى مصر، خارج اطار العمل القومي، الا اسهاما في زيادة التداعي والشلل. وفـــي التحليل النهائي، لا يمكن أن يكون، الا تجاوبا مع تطلعات العدو فــي اضعاف الجسم العربي من خلال ابقائه متصدعا متنافر الاجزاء.

وانطلاقا من هذه الحقائق، وتقديرا منا لدور مصر القومي، ووزن مصر الدولي، وشعب مصر العربي، ولما قدمه من شهداء وتضحيات في سبيل أمته عبر الأجيال، واعترافا منا باصراره على الانتماء لأمته، بقيادة سيادة الرئيس محمد حسني مبارك، فـــي ظروف أرادت له غير ذلك، وبحرصه الاكيد على عــدم التفريط بالحقوق العربيـة، وبالمستقبل العربي في فلسطين، والعراق، ولبنان، فقد قــررت حكومتي استئناف العلاقات السياسية كاملة مع مصر الشقيقة، آملين أن تكون هــذه الخطوة فاتحة خير أمــام جميع اخوتنا العرب، مهما كانــت مواقفهم اليوم، ليتخذوا خطوات مشابهة لتصويب مسار الحركة العربية الواحدة، ولتعود العلاقات العربية - العربية نقية متينة كما يتمناها كل عربي وتمليها ضرورة البقاء وصدق الانتماء.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

منذ حرب 1967، توجه العرب للسلام العادل بكل جدية واخلاص، فقبلت الاردن ومصر عام 1967 قرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي ينص على عدم جواز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة، كما قبلت سوريا ومعها الأردن ومصر عام 1973 قرار مجلس الأمن 338 الذي يؤكد على مباديء قرار 242.وسعت الدول العربيـة الثلاث بمباركــة عربية نحو تحقيق تسوية متوازنة، تعيد الحقوق لاصحابها، وتوفر الأمن لجميع دول المنطقة. ومضى على الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وللأرض السورية في هضبة الجولان أكثر من سبعة عشر عاما، لم نغفل خلالهاعن خطورة تجذر حالة اللاسلم واللا حرب التي تستخدمها اسرائيل كواحدة من الأسلحة الفعالة فـــي تحقيق أطماعها التوسعية، ولــم يعد خافيا على أحد أن التوجه العربي المخلص نحو الســـلام العادل، لــم يقابل الا بالاستهتار والتعنت من جانب اسرائيل، وبالمماطلة والتردد في الولايات المتحدة التي أخذت على عاتقها في العقد الأخير مهمة الاستئثار بلعب دور الفريق الثالث. وقبلت الأطراف العربية بذلك، ظنا منها بأن الولايات المتحدة التي تربطها باسرائيل علاقات خاصة ستتصرف وفق ما تقتضيه مسؤولياتها كدولـــة كبرى، وبما ينسجم مع مصالحها ومبادئها التي تقوم عليها. غير أنها ومع الأسف الشديد، اتبعت من السياسات ما أعطى اسرائيل أسبابا اضافية للتعنت، الأمر الذي أزاحها تدريجيا من موقف الطرف الثالث الى موقع الطرف الثاني، وانطلاقا من ايماننا بمبدأ الحوار في ادارة السياسة، ومــن التزامنا بالصراحة، فقد اعلنا في آذار الماضي عن خيبة أملنا من موقف الولايات المتحدة وسياستها الشرق أوسطية، ولكن ايماننا بالسلام، وحرصنا على إنجاح مساعيه، حدانا للبحث عن خيار آخر، يكفل التوصل الى تسوية عادلة، ويخرج المسألة من دائرة الجمود، الى الساحة الدولية. فكانت دعوتنا لعقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة، تشارك فيه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مع سائر الأطراف المعنية. ورحبت حكومتي بالاقتراح السوفياتي الذي يدعو هو الآخر لمؤتمر سلام دولي. وقمنا بشرح موقفنا ودوافعه وأسبابه الى عدد من الدول الصديقة، سواء من خلال اللقاءات التي تمت هنا في الأردن أثناء الزيارات التي قام بها عدد من زعماء العالم وقادته، أو من خلال الاتصالات الدبلوماسية الاخرى التي أجريناها على مختلف المستويات.

غير أننا ونحن نعمل من اجل عقد المؤتمر الدولي كاطار لعملية السلام سنواصل جهدنا في تدعيم قدرتنا الدفاعية لاحباط المخططات الاسرائيلية العدوانية التي تستهدف الأردن بحكم موقعه وصلته بفلسطين وقضية شعبها. ومن هنا شرعت حكومتي وعلى ضوء الموقف الامريكي السلبي من مسألة تزويد الأردن المشــروع بالأسلحة الدفاعية، في البحث عن احتياجاتها في دول اخرى، ايمانا منها بسياسة تنويع مصادر التسلح.

ان جيشنا العربي الأردني، بحكم نشأته وتكوينه، وبحكم الواجبات الملقاة على كاهله وهو يواجه حركة التوسع الصهيوني على اطول جبهة عربية، يجعل منه كما يدل عليه اسمه جيشا للأمة العربية. واملنا أن يتفهم اخوتنا العرب هذه المسؤولية التي يحملها، ولا يبخلوا عليه وهو منهم ولهم، مثلما، هو منا ولنا، بما يستحقه من دعم ورعاية، أو على الأقل أن يفوا بالتزاماتهم وتعهداتهم نحوه، ليكون على المستوى الذي يتمناه كل عربي وفي لأمته وغيور على حقوقها ومستقبلها.

ان حكومتي، وبرغم الظروف المالية العســيرة التي تمر بها الدولة، عملت بكل طاقاتها، وما زالت لتوفير الممكن مما يحتاجه جيشنا من أسلحة ومعدات، كما أنها ماضية في اعداد مستلزمات الجيش الشعبي، ليكون رديفا لهذا الجيش، ولتتكامل قدراتنا الدفاعية الذاتية بمشاركة سائر فئات الشعب في الدفاع عن الراية والذود عن حياض الوطن في وجه التهديدات الاسرائيلية المعبرة عن المخططات التوسعية للحركة الصهيونية.

وانني لأعلن من هذا المكان : أن الدعوة الاسرائيلية الأخيرة للتفاوض على تسوية سلمية، ما هي الا مناورة للتضليل والخداع، فلا الشروط التي رافقتها، ولا شكل الحكومة الاسرائيلية الحالية، ولا توجهات الشعب الاسرائيلي التي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة، تشير الى جدية هذه الدعوة. أن معيار الجدية في التوجه نحو السلام، هو التزام اسرائيل بقرار مجلس الأمن الدولي 242 في كل مبائده وأجزائه، والتزامها بقرار مجلـــس الأمن 338 الذي ينص على عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة. لقد خبرنا والعالم كله شاهد على ذلك، أساليب المراوغة والمماطلة التي اتبعتها اسرائيل، والتي وظفتها عبر السبعة عشر عاما الماضية لكسب الوقت واجراء تغييرات على واقع الأرض المحتلة. تلك التغييرات التي تحاول اسرائيل اليوم التستر خلفها في تبرير موقفها الرافض لمبدأ مقايضة الأرض بالسلام.

واذا كانت اسرائيل ستظل متمسكة باعتقادها أن الأمر الواقع كفيل بزعزعة تمسكنا بحقوقنا، فهي مخطئة، وواهمة. ويكفي أن نذكرها في هذا الصدد، بأنها بادعاءاتها الزائفة حول حقوق باطلة، تمكنت هي نفسها وباستغلال عوامل خاصة من احتلال اراضينا العربية في حرب عدوانية. فما الذي يجعلها تعتقد ونحن علــى حــق بين واضــح وضوح الشمس، باننا سنتخلى يوما عــن حقوقنا الشرعية في أرضنا ومقدساتنا وهويتنا المستمدة منها؟.

الا ترى اسرائيل المفارقة العجيبة في موقفها هذا، حينما تفترض أن بامكانها استلاب أرض الغير على أساس ادعاءات باطلة، ولا تفترض أن هذا الغير سيناضل من أجل استرداد حقوقه المشروعة الثابتة تاريخيا وواقعيا وثقافيا وحضاريا وبشريا؟.

اذا كانت اسرائيل لا تريد أن ترى ذلك. فعليها أن تدرك بانها لا تخدم قضية السلام، ولا تخدم شعبها سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، لأننا لا يمكن أن نتنازل عن ذرة من التراب في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان، ولا عن حجر صغير في مساجدنا وكنائسنا ومقدساتنا مهما طال الزمن، وغلت التضحيات.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

انكم تدركون أن العمل التنموي جهد وطنــي شامل، يشارك فيه المواطنون جميعا، ومـــن خلال هذا التعاضد، يستطيع بلدنا أن يقيم اقتصادا سليما، ودولــــة قويـــة مهيبة الجانب، ثابتة الخطى، على طريق التقدم والنماء. والتحديات التي تواجه بلدنا ازدادت شراسة بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي بدأنا نواجهها، وبعد ما من الله على بلدنا بالتقدم المذهل والنمو المطرد، وصلت الينا عوادي التقلبات الدولية والتراجع في مداخيل الدول النفطية والسلبيات الناجمة عن التوتر والحروب في المنطقة.

ووضعت حكومتي نصب عينيها أن المنعة الاقتصادية والصمود أمام التقلبات، هو واجبها الأساسي حتى يبقى هذا البلد متماسكا منيعا، وقادرا على توفير العيش الحر الكريم لأبنائه، وقد سخرت الامكانيات المالية والنقدية المتاحة لها لكي تبقي زخم التنمية على أعلى مستوى ممكن، ومضت في تمتين البنية الصناعية والمشاريع الكبيرة التي عولنا عليها في صنع مستقبلنا الاقتصادي، وترسيخ اعتمادنا على الذات، وواصلت تنفيذ البرنامج الوطني للتنقيب عن النفط، وأقرت خطة تستهدف تكثيف الجهد في هذا المجال، وأعطت موضوع الأمـــن الغذائي ما يستحقــه من اولويــة في مجالات توفيره وانتاجه, وتسعى لكي ترسخ الزراعــة كوسيلة حياة ومنهج انتاج في هذا البلد الخير. والاردن مؤهل بحكم قدراته، وما وصل اليه من مكانة دولية، لكي يوسع دائرة اتصالاته على الصعيدين، الاقليمي والدولي، وصولا الى علاقات متوازنة، تقوم على أسس من التكافؤ والنفع المتبادل.

وبحكم التطور المستمر، فان حكومتي تدرك أن الانتصار على المصاعب اقتصاديـــة كانت أم اجتماعية أم سياسية - لا يتم الا بالانسان المؤهل والواعــي. لقد تجاوزنا في التعليم والتاهيل مرحلة الكم، والتفاخر بالعدد، وبات الواقع يملي نظرة جديدة في اعداد الانسان المؤهل القادر على اداء عمله باتقان وفق حاجات المجتمع واولوياته، ولذلك، قامت حكومتي بالتركيز على تطوير النظم والوسائل الادارية، وجاء إنشاء اللجنة الوطنية للتطوير الاداري صائبا في توقيته، ومعبرا عن الجهد المطلوب لتحسين الاداء وتقليص الكلفة من خلال تنمية القدرات الادارية المتفاعلة مع دواعي التقدم وبواعث زيادة الانتاجية والساعية لتوفير الخدمة السليمة للمواطنين بأقصر مدة ممكنة.

وتسعى حكومتي كذلك، لاعادة النظر في التعليم العالي حتى يوفر لأبنائنا فرص العمل الكريمة عند تخرجهم وتصديهم للحياة وتعقيداتها ومتطلباتها. وتعلمون ان التعليم العالي بات ظاهرة في حياة كل أســرة اردنية، بحيث غدا من الضروري اجراء التخطيط السليم له واعادة تقييم العملية التعليمية بمجملها بما يضمن تحقيق التميز بمستواه المعرفي والتدريبي للمواطن الأردني الذي يمثل ثروة البلد الحقيقيــة. وقـد شرعت حكومتي بالتصدى لهذه المشكلة بكل جدية ووعي.

ان المنعة الاقتصادية للأدن، ستبقى مرتبطة بالأمة العربية، وقد واصلت حكومتي العمل على هدى هذه الحقيقة في سياساتها التدربيبة، وفي تخطيطها التعليمي، وتقديرا من حكومتي لهذه المعطيات الأساسية، فقد بذلت جهودا كبيرة من أجل توثيق الصلات الاقتصادية والتجارية معها، والاستجابة لدواعي العمل العربي المشترك في جميع المحافل العربية، وصممت على أن تبقى العلاقات الاقتصادية وثيقة بغض النظر عن واقع العلاقات السياسية ، ولا ننطلق في هذا التوجه الا عن قوة، لقناعتنا بأن التكامل الاقتصادي والمالي العربي، هما ضمان المستقبل لأبناء العرب وحصنهم في الضغط على المستهترين بحقوقنا والمراهنين على ضعفنا، لكي يعيدوا النظر في مواقفهم ويغيروا من سياساتهم العدائية.

حضرات الاعيان، حضرات النـواب،

اننا نزداد ايمانا يوما بعد يوم، بان للأردن دورا تاريخيا في وطننا الكبير، وفي محطينا الجغرافي القومي، لأنه يملك القدرة لأن يكون نموذجا يحتذى، وقدوة مؤثرة، صالحة من خلال نجاح تجاربه وصلابة بنيته، وما يتحلى به من مناخ محبة وتسامح ووفاء، ولن يتأتى هذا، الا بفضل تعاون الشعب والحكومة، ومتانة نسيجه الوطني. وان مجلسكم الكريم لقادر على اداء هذا الدور الكبير فس اشاعة روح العمل والانتاج والتقدم والمشاركة والتعاون بين مختلف فئات الشعب وقطاعاته، وفي نشر الوعي، وسد الطرق أمام أسلحة الانقسام والتفتيت التي حاول اعدائنا بثها والولوج من خلالها التي بنيتنا المتماسكة. وسيبقى تعاون مؤسساتنا الدستورية عماد نهضتنا وقاعدة قوتنا ونبراس مسيرتنا في خدمة أهداف أمتنا ومستقبل أجيالنا.

والله الموفق، ومنه العون والسداد والرشاد،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،