مجلس الأمة
نسخة للطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب الجلالة الهاشمية، الملك المعظم ، الحسين بن طلال أيده الله،

يا صاحب الجلالة،

يتشرف مجلس الأعيان بأن يرفع الى مقامكم السامي أوفر الشكر والامتنان على الخطوات الموفقة التي تفضلتم باتخاذها من أجل إعادة الحياة النيابية في المملكة الاردنية الهاشمية الى طبيعتها، واحياء المؤسسات البرلمانية فيها.

ان المجلس ليرى ان هذا الاجراء الحكيم يفتح المجال واسعا أمام التفاعل الفكري البناء، والتشاور ، ومشاركة الشعب في الحكم والمسؤولية. ولئن كانت الحياة النيابية معلما بارزا في بنياننا السياسي، فان جوهرها قد نزل الى الناس في محكم الكتاب العزيز.

ان المجلس ليعاهدكم بأن يكون في مستوى الثقة التي اوليتموه والمسؤوليات المنوطة به.

يا صاحب الجلالة،

لقد استمع مجلس الأعيان الى خطاب العرش السامي الذي افتتحتم به الدورة العادية الاولى لمجلس الأمة العاشر واصغى الى ما بينتم من أمور ، وما اوضحتم من قضايا وما رسمتم من سياسة.

ان حرصكم على خدمة شعبكم واسعاده، ودفعه في معارج التقدم والرقي لتشهد به هذه النهضة التي تخفق اعلامها في ارجاء وطننا الغالي.

وان حبكم لأسرتكم الأردنية الوفية لينعكس قلائد من الزهو والفخار على صدور قواتنا المسلحة، ومشاعل من نور في مواكب أبنائك وأخوتك المواطنين في الجامعات والمعاهد والمصانع والمزارع والمتاجر.

وقد تجلى في خطابكم السامي ايمانكم بأمتكم وقضاياها. وهو ايمان نما في كيانكم الذاتي وتحدر اليكم في الأصلاب.

لقد آمنتم بوحدة أمتكم وحريتها واستقلالها ، وجحافل الثورة العربية ماثلة في الأذهان، ورسالتها خالدة في الوجدان ، وآمنتم بفلسطين وقضيتها وحقها ايمانا يقف عليه شاهدان:

الأول، دفين المسجد الأقصى، مفجر الثورة العربية، رأس الدوحة الملكية الهاشمية، الحسين بن علي عز مثواه.

والثاني، الملك الشهيد ، مؤسس هذه المملكة عبدالله بن الحسين ، طيب الله ثراه.

ولئن كان هذا الرباط بين الأردن وفلسطين قد ارتسم في جبين القيادة ،فانه وعلى نفس المستوى،قد انسحب على القاعدة منذ بزوغ التاريخ وعبر فتوح الفاتحين ، فكان الفلسطينيون والأردنيون، على الزمان، أسرة واحدة ، من أمة واحدة، في وطن واحد.

ان هذه الاسرة المباركة التي كتب الله وحدتها وكرسها التاريخ ، تتفاعل اليوم آلامها لتنتصر على الواقع المرير في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتعمل على تحرير الأرض واستعادة الحق، وانقاذ الأهل من الضياع والوطن من التهويد. ان الارادة الفلسطينية الأردنية، المستندة الى الارادة العربية، والمعززة بالقرارات الدولية المتعاقبة كفيلة بأن تدرأ الخطر وتعيد الحق وتقود السفينة الى شاطىء الظفر والكرامة والأمان.

ان القضية الفلسطينية هي قضيتنا، هكذا هي اليوم، وهكذا سوف تكون على الأيام ، انها تعيش في ضمائرنا وفي كل جانب من جوانب حياتنا، وتؤثر في رسم مستقبلنا على الصعيدين العام والخاص. ونحن من أجلها، وتجاوبا مع عروبتنا وأمانينا القومية، وتلبية لمقتضيات الموقف العربي المشترك، أشد ما نكون حرصا على رأب الصدع بين الأشقاء،وتأمين التضامن العربي الذي تفضلتم جلالتكم بأنه أول ما ستتوجه اليه سياسة الحكومة.

ولا ريب في أن الأردن، بحكم أصالته العربية، ورسالته الموروثة، مؤهل للعمل لتأمين أكبر قدر من التفاهم بين الأخوة من أجل جمع الكلمة والسير معا في خدمة قضايانا الكبرى، وفي طليعتها تحرير المحتل من أرضنا واقامة العدل ونشر السلام في أرجائنا. وانا لنرجو ان يجد هذا الشعور الصادق صداه في العواصم العربية الشقيقة.

ونحن-كما تفضلتم-بحكم موقعنا الجغرافي، نقف في وسط الاحداث العربية، مما يضاعف من مسؤولياتنا وواجباتنا ويدعونا الى التحرك لاخراج العمل العربي المشترك من دائرة الجمود والشلل الى دائرة الفاعلية والحركة، سواء أكان ذلك عن طريق تكثيف الاتصالات بين العواصم العربية، أم عن طريق العمل الجاد في أجهزة الجامعة العربية ومجالسها ومؤتمراتها، الأمر الذي يدعو الى تطوير ميثاق الجامعة ونظام العمل فيها بما تتطلبه الظروف المستجدة، وبما يعطي قيمة ووزنا لرأي الأكثرية ويلبي ارادتها.

ومن الطبيعي ان يتواصل حوارنا البناء مع منظمة التحرير الفلسطينية لإيجاد صيغة عملية للتعاون المشترك بيننا بغية تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة-وفي مقدمتها القدس الشريف-وانقاذ الأهل من ربقة الاحتلال، وتأمين الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير، فذلك واجب علينا ودين في أعناقنا ووفاء لأرواح الألوف من الشهداء الذين سقطوا في مواقع الشرف والاستشهاد فداء لوطنهم وأمتهم وللمثل العليا بين بني الانسان، ووفاء لأهلنا في الأرض المحتلة الذين صبروا وصمدوا في وجه اعتى موجه من الغزو والعدوان تجتاح ديارهم وتستهدف المنطقة بأسرها. وان المجلس ليحيي مع جلالتكم وقفتهم الباسلة، الصامدة على أرض أبائهم وأجدادهم.

يا صاحب الجلالة،

وعلى صعيد الحرب العراقية-الايرانية فان المجلس ليؤيد جلالتكم فيما أكدتم من وقوف حكومتكم الى جانب العراق الشقيق في دفاعه عن ارضه وحقه وفي مساعية لانهاء النزاع بين الدولتين الجارتين المسلمتين بالوسائل السلمية على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام الحقوق المرعية لكلا الطرفين. وان المجلس ليأمل ان تستجيب ايران للنداءات المخلصة والمناشدة المتكررة لوضع حد لهذه الحرب المدمرة التي طال أمدها وتفاقمت أخطارها.

ولقد أدمت قلوب العرب أزمة لبنان ، وما تخللها من كوارث وويلات، وما اقترفت القوات الاسرائيلية المعتدية من آثام منذ اجتياحها الأراضي اللبنانية.

وان مجلس الأعيان اذ يؤكد دعمه الكامل لوحدة لبنان: ارضا وشعبا، ودعم سيادته على ترابه، ليندد باستمرار الوجود العسكري الاسرائيلي فيه، ويطالب بوجوب انسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان، ويرى ضرورة انسحاب جميع القوات الاخرى من الأراضي اللبنانية.

كما يرى المجلس ان قيام الوحدة الوطنية في لبنان هو الركيزة الاساسية لحل الازمة اللبنانية من جميع جوانبها ليعود لبنان بلد الحرية والتسامح والإخاء.

ان المجلس ، وهو يستعرض الوضع العربي العام، في ضوء ما ورد في خطاب العرش السامي، ليرى مع جلالتكم أنه لا يجوز أن تبقى مصر خارج صف امتها فلا غنى لمصر عن امتها ولا غنى لأمتها عنها.

يا صاحب الجلالة،

ان مجلس الاعيان يؤيد جهود جلالتكم في رفع مستوى قواتنا المسلحة عددا وعدة ، لتبقى، كما هي "درع الوطن وحماة الراية وسياج الاستقلال والكرامة" وانا لنأمل بأن يوضع قانون الجيش الشعبي موضع التطبيق السريع كي يشارك كل مواطن قادر في الذود عن حياض الوطن وصون حقوقه.

هذا، ويبقى الانسان هدف التنمية ومادتها. وان الحرص الشديد على أمنه وحريته وتقدمه ورفع مستوى معيشته، كالحرص على اداء واجباته واندفاعه في حمل المسؤولية، هو في طليعة المهمات التي تنهد اية حكومة لادائها وفي هذا السبيل تكون تنمية القوى البشرية وتنظيمها وتحديث البرامج التعليمية ، والتوسع في نشاطات الشباب الثقافية والرياضية، وتلبية حاجات التنمية الشاملة، اهدافا كبرى تستلزم الدراسة المتواصلة والمتجددة لتقدير مدى الاقتراب من تحقيقها.

واذا تأثر النشاط الاقتصادي في البلاد بالركود العالمي او بالسياسات والاجراءات الداخلية، فان المشكلات التي تواجهها قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة جديرة بالدراسة العميقة والمعالجة الناجحة واقرار مبدأ مكافأة المنتج ودعم استمراره في الانتاج، لتأمين أوفى قدر من الأمن الغذائي بشكل خاص والأمن الاقتصادي بشكل عام.

ان التزامات الأردن القومية في الوقوف سدا منيعاً في وجه التوسع الصهيوني، والتكاليف المالية لمشروعات التنمية في الخطة الخمسية، تتجاوز كثيرا القدرات المالية الأردنية، وان مجلس الأعيان يتقدم الى الدول الشقيقة وصناديقها بأحر الشكر، لما تقدمه من دعم مالي للاردن بموجب قرارات مؤتمر القمة في بغداد ، ويهيب بالدول الشقيقة التي تخلفت عن دفع معونتها المقررة ان تسارع الى رفد الأردن بالدعم الذي التزمت به.

يا صاحب الجلالة،

اننا ، ونحن نحمل مسؤولياتنا خلف قيادتكم الرائدة ، لنؤكد ان مجلس الأعيان سيتعاون مع حكومة جلالتكم بجهد صادق، بالكلمة الأمينة والرأي المخلص والحوار المسؤول، كي نعمل معا في سبيل خير الوطن وعزة الشعب.

وانا لنضرع الى الله العلي القدير ان يحفظ جلالتكم ويسدد خطاكم ويمدكم بروح من عنده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.