مجلس الأمة
نسخة للطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسوله الأمين

حضرات الاعيان ، حضرات النواب

باسم الله العلي القدير نفتتح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الأردني التاسع ، ضارعين اليه تعالى أن يجعل مــــن يومنا هذا بشير أمل في حياة بلدنا الغالي ومنعطف خير في مسيرة أسرتنا الأردنية الواحدة وأمتنا العربية الماجدة، ويقتضينا الواجب في مستهل هذه الدورة أن نذكر تضحيات شهادائنا الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة مهابط الوحي ومنابت الرسل والأنبياء ، أولئك الرجال الذين تسابقوا الى الشهادة دفاعا عن حمى الأقصى ومسرى محمد صلى الله عليه وسلم ومهد المسيح عليه السلام ، هؤلاء الشهداء البررة الذين تدعو بطولاتهم الى اعتزاز مواطنيهم على ضفتي نهر الأردن الخالد وفوق هضاب قدسنا الشريف وعلى جبالنا الشماء في نابلس وعلى ربانا في الخليل وسهولنا في غزة وصحارانا في النقب وسيناء وهضابنا في الجليل والجولان ، وهنا في مشارف البلقاء وفي ذرى عجلون وثنيات مؤاب وعلـى كثبان القناة وفي كل واد ومنحنى من أرضنا الطهور ، واننا اذ نذكرهم بكل فخر واعتزاز لنضرع الى العلي القدير أن يجعل الجنة مثوى لهم وأن يجزيهم عن أمتنا خير الجزاء . ونرى من الواجب أيضا أن نتوجه من هنا الى أفراد قواتنا المسلحة والقوات المساندة لها التي نذرت نفسها للدفاع عن تراب الوطن واعداد العدة ليوم التحرير بأزكى التحية والتقدير لما تقوم به من بذل وعطاء وتضحيات للحفاظ على التراث والكيان والمقدسات .

ومـن هـذا الموقـف أتوجــه باسـمكم جيمعـا وباسـم كـل عربـي بتحيـة الفخر والاخاء وعهد التلاحم والوفاء الى أهلنا وذوينا وأبناءنا في الضفــة الغربية الصامدين في موصول جهادهم والصابرين في باسل وقفتهم والثابيتن في عزيـز وطنهم ، المجاهدين في سـبيل حقهـم يقاومون العسف والاحتلال ويقارعون العدوان برجولة الواثقين وبايمان الصادقين " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليـه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " . صدق الله العظيم .

هذا هو قدرنا شرفنا الله به مع اخواننا في دول المواجهة فكنا حماة الخطوط الأولى نذرا عن دنيا العرب أعتى حملة عدوانية غازية في التاريخ ونحن ندرك مسؤوليتنا هذه بكل رضى وبكل ما يقتضيه هذا الشرف من تضحيات في سبيل صـد العدوان وتحرير وطننا المحتل وكل ذرة من أرض العرب مهما كلفنا ذلك من جهد وبذل وعطاء ، تشد أزرنا في ذلك الدول العربية الشقيقة وشعوبها الواعية بالوفير مما لديها من طاقات وامكانات .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

ان الأردن وقد أراد له الله ان يحتل مكان القلب من دنيا العرب قد آمن منذ كان بحتمية الوحدة في حياة أمته ، ذلك هــــو مبدأه ، وتلك هي شرعته ، رضع لبانها في أفياء الثورة العربية الكبرى التي حمل لواءها ومعه الصفوة الأخيار من ابناء أمتنا رائد من رواد النهضـة العربية الحسين بن علي طيب الله ثراه ، ولن يحيد الأردن عن هذا النهج ولن يسلك الا هذا السبيل مهما تضافرت عليه الصعاب وقست عليه الأحداث فهو آلجزء الذي لا ينفصل عن جسـم أمته العربية يعيش آلامها ويرنو الى تحقيق آمالها ، لا يني يقدم التضحيات تترى على درب الجهاد والتحرير وما فتيء يدفع عجلـة العمل الهادف أمام تحديات العصر ومتطلباته . واذا كان للتاريخ أن يذكر المبادىء والمنجزات فانه والحمد لله سيذكر أننا في هذا البلد ما حيينا الا لنؤمن بأن فلسطين هي الأردن مثلما كانت الأردن هي فلسطين . فالشعب واحد والأرض واحدة والتاريخ واحد والمصير واحد . ومن هنا كانت الوحدة المقدسـة وحدة الأردن بضفتيه ثبتت على الايام متانة ورسوخا وزادت مع المحن منعة وصمودا . وما كانت مكائد الصهيونية ومخططات الاستعمار أن توهن من هذه الوحدة أو تنال من قدسيتها لانها التجسيد الرائد لمعنى الوحدة في ضمير الأمة العربية ، ولأنها العمل الرائع للشعب الواحد ، ولأنها الثمرة الحتمية لمبادىء أصيلة فجرت أول ثورة عربية وحدوية في تاريخنا المعاصر وانها نموذج لأول وحدة عربية تتلاقى وأهداف شعبنا وآمال أمتنا الراسخة في مسيرتها في الوحدة الكبرى . وانكم لتعلمون كم أراد الأعداء والمستعمرون أن يباعدوا ويفرقوا بين الديار والديار وبين القلوب والقلوب وكم دفعت أمتنا من أجل احباط خططهم وفي سبيل الحفاظ على وحدتها من أمنها ودمائها ودموعها ومع ذلك فالأعداء ما زالوا يكيدون لنا وما علينا الا أن نرص الصفوف في وجـه المؤامرات التي تستهدف وحدتنا المقدسـة .

وما مشروع الدويلة الفلسطينية التي يروج لها أعداء الأمة العربية حينا بعد حين الا مؤامرة على وحدتنا هنا في الأردن وضربا لمعنى الوحدة المقدسة في وجدان كل عربي . ولا نظن أن هناك مواطنا عربيا واحدا تخدعه مثل هذه الدعوة المريبة .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

تعملون كيف أن الاستعمار والصهيونية العالمية تمكنا من زرع اسرائيل كرأس جسر استعماري في قبل عالمنا العربي وفي مخططاتهم التي التقت عند المحافظة على مصالح الدول الاستعمارية الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة واضعاف التطور الطبيعي لشعبنا العربي ببعثرة جهوده وثرواته وتصديع وحدته ، وتحقيق الحلم الصهيوني في اقامة دولة عنصرية بدأت بالاغتصاب وبادرت الى العدوان والتوسع منذ اليوم الأول لانشائها مرحلة أثر مرحلة حتى كانت محاولتها الأخيرة للتوسع ممثلة في عدوانها الغاشم في حزيران سنة 1967 واحتلالها لأراضي ثلاث دول عربية وبالرغم من قرار مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967 الذي يعبر عن رفض المجتمع الدولي لضم الأراضي نتيجة لاحتلالها بالقوة وينص على الانسحاب من الأراضي المحتلة بالرغم من ازدياد وعي المجموعة الدولية يوما بعد يوم فما زالت اسرائيل عازفة عن تنفيذ هذا القرار ، وتظهر يوما بعد يوم تمردها على كل شرعة وميثاق مدعومة مع شديد الاسف بقوى دولية تترتب عليها مسؤوليات عالمية كبيرة بحكم مركزها ونفوذها الأدبي لدعم منظمة الأمم المتحدة وقراراتها للابقاء عليها منظمة جديرة بتنظيم العلاقات بين دول العالم جمعاء .

أما نحن وادراكا منا لمسؤوليتنا نحو الأسرة الدولية ، وايمانا منا بشرعة الأمم المتحدة ومبادئها ، ورغبة منا في بلوغ سلام عادل ، فقد قبلنا بقرار مجلس الأمن المذكور وتنفيذه تنفيذا كاملا مع رفيقة الدرب والكفاح الجمهورية العربية المتحدة ، ولكن جنوحنا الى السلام لا يعني قبولنا الاستسلام ، وما معاركنا التي احتدمت على ثرى الأردن وهضابه وفي أغواره وكرامته الا الدليل على تمسكنا بهدفنا ، وما تلاحم الجيش والفدائيين والشعب في مواقف النضال الا الشاهد على اصرارنا على حقنا . وما الوقفة الجبارة وقفة الصمود البطولة التي وقفتها الجمهورية العربية المتحدة بقيادة البطل العربي جمال عبد الناصر في أرض الكنانة الا تأكيدا على ترابطنا في وحدة مصير مشترك لتحقيق أهدافنا في تحرير القدس والضفة الغربية وسيناء والجولان .

حضرات الاعيان ، حضرات النواب

منذ صدور القرار الدولي وقبولنا له ، فان اسرائيل ما فتئت تضع العراقيل والمخططات للحيلولة دون تنفيذه متذرعة بمختلف الحجج الواهية التي تكشف موقفها المناوىء للسلام والعدل في المنطقة وامعانها في سياسـة التوسع واغتصاب الأرض ، وموقفنا الثابت الذي لا نحيد عنه هو استعادة حقنا وتحرير أرضنا . ومن هنا كان الحشد والاستعداد سبيلنا لبلوغ أهدافنا في التحرر واسترداد أرضنا السليبة فنحن مع عملنا للسلام الحقيقي نجهد لتحقيق أهدافنا بكل السبل اذا ما فشلت المجموعة الدولية في حمل مسؤوليتنا وتنفيذ مقررات الأمم المتحدة في هذا السبيل.

نحن قبلنا مع شقيقتنا الجمهورية العربية المتحدة مبادرة روجرز للسلام ولايماننا بشرعة الحق والعدل والسلام ، ولايماننا كذلك بأن تحقيق العدل والسلام يعني ضمان حق شعبنا العربي في فلسطين فلا يمكن أن يقوم سلام على ظلم ولا يجوز أن يعيش سلام على انكار حق مشروع لأي شعب في وطنه في هذا الوجود، ومن هنا كانت محاولات اسرائيل المكشوفة برفضها للسلام وعرقلتها للمبادرة الأمريكية ورفضها لقرارات الأمم المتحدة التي تعترف وتؤكد حق شعبنا العربي في فلسطين .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

لقد مرت ببلدنا فتنة عمياء خطط لها أعداء أمتنا ورمونا بشرورها في ظل ظروف كادت تعصف بوحدتنا ووجفت القلوب واضطربت النفوس حتى كاد عدونا يحقق مبتغاه في تمزيق صفوفنا وتشتيت جهودنا وتدمير مستقبلنا ، ولكن الله سبحانه أحاق بمكر الماكرين وجنب أردننا الشر الذي أريد بنا وحفظـه قويا منيعا جديرا بأن يكون كما نذرناه أرضا للمعركة ومنطلقا للتحرير اذ تنادى الأخــــوة العرب الى لقاء القاهرة مستجيبين لنداء فخامة الأخ المجاهد الرئيس الحبيب بورقيبة حيث التأم الشمل في رحاب الكنانة ولا بد للتاريخ هنا أن يذكر دور البطل العربي الراحل جمال عبد الناصر الذي حمل نفسه الكبيرة أقصى الجهد وغاية العناء كما سيذكر لاخوتنا الملوك والرؤساء صادق سعيهم وشديد حرصهم على مساعدتنا على تطويق الفتنة وحقن الدماء وتوحيد الصف ورأب الصدع ودعوة الأخوة في السلاح بين الجيش والمقاومة ، وكانت اتفاقات القاهرة وعمان ممثلة لارادة الأمة العربية صاغها قادة العرب بفيض كريم من قلوبهم واخلاص نبيل في نفوسهم ووعي وحرص من تدبيرهم وقد وضعوها اليوم أمانة غالية وعهدا مسؤولا في أعناقنا نحن في الأردن من جيش وفدائيين ومسؤولين ومواطنين يتعهدها ويرعاها المناضل الكبير الباهي الأدغم واخوانه من جند العرب الأحرار ، وسرعان ما انجلت الغمة ووضحت الرؤية وعاد للقلوب المؤمن صفاؤها وللربوع الحبيبة اشراقها وللحياة أمنها واستقرارها . واتجهت المسيرة على بركة الله من منطلق الثقة والأخوة ووحدة السلاح نحو هدف واحد وعدو واحد .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

ان المرحلة الحاسمة التي تجتازها أمتنا تحتم علينا أن نبني جبهة داخلية متماسكة لحمتها الوحدة الوطنية وسداها الثقة بين كل الأخوة المواطنين . ننفي من صفوفنا الفرقة وننبذ الشائعات ونتسامى على الآلام والاحقاد سلاحنا في ذلك العقيدة السمحة والقيم الأصيلة والخلق الكريم والعمل المنتج البناء ، والجهد الموفور في الحشد والاعداد . وفي يقيننا أن هذا هو عين الجهاد الأكبر الذي يلزم المرء به نفسه في مغالبة الهوى ومحاربة الغرض فالأهداف القومية والغايات الوطنية من حقها علينا أن ننكر ذاتنا ونتجرد من هناتنا . فليتق الله كل منا في وطنه وقوميته وقضيته وليعلم أن ما جرى ما كان ليفيد منه سوى الأعداء . فلتذهب الى غير رجعة تلك الفتنة نطردها الى الأبد بوعينا وايماننا وصدقنا مع غيرنا ومع أنفسنا ولتكن كل أقوالنا وافعالنا خالصة لله والوطن والأمة ولنتذكر دائما أن اخواننا في الضفة الغربية المحتلة يرقبوننا وينتظرون منا الكثير ، انهم يريدوننا مواطنين متراصين ومناضلين مخلصين وبناة عاملين ، يريدوننا أملا مشرقا يبدد ظلام اليأس والفرقة والضياع .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

ان قواتنا المسلحة هي سياج الوطن وأمل التحرير ورمز الوحدة الوطنية الرائعة ونموذج الأخوة الخالصة من هنا ان واجبنا نحوها ان نمدها بكل أسباب القوة والمنعة وفق احدث الأساليب العملية وبأحدث الأسلحة والمهمات كما عودناها على مر الأيام والسنين . وان الحكومة رغم الأحداث التي مرت ببلدنا لم تتوان يوما عن دعمها واسنادها كما انها لم تتردد في مواصلة مسيرة البناء والتقدم وتوسيع الخدمات والنهوض بمجتمعنا في مختلف المجالات . وهي اليوم تبادر بكل امكاناتها الى معالجة آثار الفتنة في مرافق الحياة ومصالح المواطنين وممتلكاتهم وتقوم بتعويض المتضررين من أبناء الأسرة الواحدة لتمكينهم من مواصلة مسيرة البناء والاعداد والتقدم .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

ان بلدنا رسم أهدافه ولن يحيد عنها حتى نحرر الاهل ونسترد أرضنا العربية وفي مقدمتها القدس مسرى محمد صلى الله عليه وسلم ومهد المسيح والضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وسيناء والجولان وان أول واجب علينا أن نعي دورنا الطليعي وخطورة المرحلة وحتمية المعركة وما يترتب عليها من بذل وتضحية . تلك المعركة التي يجب أن يعيها كل مواطن ويشترك فيها بما يترتب عليه من نصيـب ، كما اننا نـؤمن بضـرورة تجنيد كل جهـد عربي في كافـة مجالات الحياة بمفهوم الاستعداد والحشد للمعركة . ومن هنا فاننا نؤمن بحتمية التعاون العربي وحتمية الوصول الى الوحدة العربية مهما تناءى المسير ولا يضيرنا ان يكون تحقيق الأهداف الكبيرة صعب المسالك جليل الأخطار .

ويسعدنا أن نحيي ونبارك ما توصلت اليه شقيقاتنا العربيات الجمهورية العربية المتحدة والجمهوية العربية الليبية وجمهورية السودان الديمقراطية من اتفاق على السير نحو تحقيق الوحدة العربية التي نؤمن بأن فيها قوة العرب وسلامتهم وانتصارهم .

حضرات الأعيان ، حضرات النواب

اننا نتوجه من خلالكم الى كل مواطن ومسؤول في هذا البلد أن يرتفع الى مستوى المعركة وأن يدرك ما يترتب عليه من مسؤوليات نحو وطنه وأمته وفي سبيل استعادة كرامة العرب في فلسطين وفي كل أرض عربية تحت نير الاحتلال، ويقيننا أن شيئا من ذلك لن يتحقق الا اذا اتجهت الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية وترسيخها وبناء المجتمع المتماسك حيث لا مكان فيه للاقليمية الضيقة ولا للعصبية المقيتة لا فرق فيه بين شرقي وغربي أو جندي وفدائي ، مجتمع يصهر الجميع في بوتقة الوحدة والمصير الواحد والهدف الواحد .

وان أول مظهر ايجابي يكون اطارا لمثل هذه الأهداف هو التعاون الذي نطمع فيه بين أبناء الشعب الواحد من مواطنين ومسؤولين وندعو اليه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في بلدنا اذ على أساسـه يقوم العمل المثمر ويتحقق كل هدف كبير .

باسم الله وعلى بركته نفتتح هذه الدورة ، ونسأله تعالى أن يسدد خطانا في سبيل خدمة وطننا الغالي وخير أمتنا الماجدة انه سميع مجيب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .